الغش في امتحانات الثانوية العامة: جريمة لا تسقط بالتبرير

لا تزال لجان امتحانات الثانوية العامة في مصر ساحةً مشتعلةً لا للعلم والتفوق، بل لظاهرة خطيرة تهدد تكافؤ الفرص ومستقبل الأجيال، ألا وهي جريمة الغش، سواء من الطلاب أو من بعض العاملين داخل اللجان ممن يسهلون أو يتغاضون عن هذه الجريمة، مقابل مكاسب مادية أو "خدمة مجتمعية" زائفة، تساهم في قتل الأمل لدى الطالب المجتهد.
الغش.. جريمة جنائية وليست مخالفة دراسية فقط
وفقًا للقانون رقم 205 لسنة 2020 بشأن مكافحة أعمال الإخلال بالامتحانات، فإن الغش جريمة جنائية تصل عقوبتها إلى الحبس مدة لا تقل عن سنتين ولا تزيد على سبع سنوات، وغرامة لا تقل عن 100 ألف جنيه ولا تزيد على 200 ألف جنيه، لمن يطبع أو يروج أو يصور أو يسهل تداول الأسئلة والأجوبة بأي وسيلة.
ولم يكتفِ القانون بمعاقبة الطالب الغشاش، بل أشار بوضوح إلى كل من يساهم أو يعاون على هذه الجريمة، سواء من المعلمين أو الملاحظين أو المراقبين أو حتى أولياء الأمور، تحت بند "المساعدة أو الشروع".
الطالب المتفوق.. الضحية الحقيقية
في ظل هذه الممارسات، يُصبح الطالب المتفوق هو الضحية المزدوجة؛ أولاً، لأنه يجد نفسه في منافسة غير عادلة مع من يغش ويحصل على درجات لا يستحقها، وثانيًا، لأن ثقته في النظام التعليمي والعدالة تتعرض للاهتزاز، بل والانهيار.
إن تكافؤ الفرص مبدأ دستوري أصيل، ويُعد الإخلال به انتهاكًا للعدالة التعليمية والاجتماعية، ولا يجوز التهاون مع من يُفرّط فيه.
دور الدولة والمجتمع في المواجهة
لم تعد مواجهة الغش مسؤولية وزارة التعليم وحدها، بل هي مسؤولية مجتمع بأكمله، بدءًا من الأسرة ومرورًا بالإعلام ومؤسسات المجتمع المدني، وانتهاءً بالمعلم الشريف داخل اللجنة.
يجب أن نُرسخ ثقافة احترام الجهد، وتقدير المتفوقين، وملاحقة كل من يعبث بالحق في التعليم النظيف، ليس فقط بالقانون، بل أيضًا بالوعي والمحاسبة المجتمعية.
توصية قانونية
نطالب بتفعيل العقوبات المنصوص عليها في القانون، وتوسيع نطاق المسؤولية لتشمل كل من يتستر أو يتغاضى أو يتكاسل عن الإبلاغ عن جريمة الغش، وكذلك تخصيص خط ساخن فعّال للتبليغ، وتقديم حوافز معنوية ومادية للطلاب المتفوقين المتضررين من هذه الجريمة.