رسالة اليوم إلى الشباب والفتيات

في زمن التحولات السريعة والتغييرات المتلاحقة التي يشهدها عالمنا اليوم، باتت هناك ظاهرة مقلقة تستدعي وقفة جادة ومراجعة صادقة. إنها ظاهرة تراجع القيم والأخلاق لدى شريحة واسعة من شبابنا وفتياتنا، وهو ما يُنذر بخطر حقيقي على مستقبل مجتمعنا وهويتنا.
أتساءل بحرقة وألم: ماذا حدث لجيل اليوم؟ أين ذهبت تلك القيم النبيلة التي تربينا عليها؟ لماذا نشهد هذا التدني المستمر في منظومة الأخلاق والسلوكيات؟
نرى اليوم شباباً لا يُقدِّرون الكبار، ولا يقفون احتراماً لهم. نرى فتيات يتنكرن لأمهاتهن ولا يقدمن لهن يد العون في الأعمال المنزلية. نرى تمرداً على القيم الأصيلة التي طالما كانت علامة فارقة في مجتمعنا - من احترام للغير، ومساعدة للمحتاج، ومناصرة للضعيف.
لقد كان الشاب فيما مضى يفخر بوقوفه إلى جانب أهله، يعتز بتقديم العون لكل محتاج، ويسارع إلى المساعدة حين يُطلب منه ذلك. كان الشاب يقف احتراماً للكبير، وكانت الفتاة قرة عين أمها وعونها في كل شؤون البيت. كانت هذه سمات أصيلة راسخة في نفوسنا، نستمدها من تعاليم ديننا الحنيف وتقاليدنا العريقة.
فما الذي تغير؟ وكيف تحولنا من مجتمع يعتز بقيمه وأخلاقه إلى مجتمع يشهد هذا التدهور المقلق؟
أرى أن الأسباب متعددة ومتشابكة. فمن ناحية، هناك الانفتاح غير المنضبط على ثقافات أخرى من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، دون تمحيص أو تفكير نقدي. ومن ناحية أخرى، هناك ضعف في دور الأسرة والمدرسة في غرس القيم والأخلاق في نفوس أبنائنا. وربما الأهم من ذلك كله، هناك ابتعاد عن تعاليم الدين وقيمه السامية التي تدعو إلى احترام الوالدين والكبار، وتعزز روح التعاون والتكافل.
أتساءل بقلق: هل هذا هو الجيل الذي سيحمل راية التقدم والازدهار؟ هل هؤلاء الشباب والفتيات الذين يتنكرون لقيمهم وأخلاقهم سيكونون قادرين على بناء مستقبل أفضل؟
لا شك أن الإجابة ستكون بالنفي ما لم نتدارك الأمر ونعمل جميعاً - أسراً ومدارس ومؤسسات مجتمعية - على إعادة بناء منظومة القيم والأخلاق في نفوس أبنائنا. فالحضارات لا تُبنى بالتكنولوجيا والمباني الشاهقة فحسب، بل تُبنى أولاً وقبل كل شيء بالإنسان الذي يحمل قيماً نبيلة وأخلاقاً سامية.
إن رسالتي اليوم إلى كل شاب وفتاة هي دعوة للعودة إلى الأصالة والقيم، دعوة للتمسك بما علمنا إياه ديننا من احترام للوالدين والكبار، ومد يد العون للمحتاجين، والتحلي بالأخلاق الحميدة في كل تصرفاتنا.
كما أنها رسالة إلى كل أب وأم ومعلم ومربٍ: علينا مسؤولية كبيرة في تربية هذا الجيل على القيم والأخلاق. علينا أن نكون قدوة حسنة لهم في سلوكنا وتصرفاتنا. علينا أن نعيد للدين دوره المحوري في حياتنا، فالدين ليس مجرد شعائر تُؤدى، بل هو منهج حياة متكامل يرسم لنا طريق السعادة في الدنيا والآخرة.
لابد أن نبدأ اليوم قبل الغد في تعليم هذا الجيل الدين والأخلاق والقيم السامية. لابد أن نعيد بناء الإنسان قبل أن نبني العمران. فالإنسان هو أساس كل نهضة، وبدون إنسان يحمل قيماً نبيلة وأخلاقاً سامية، لن تتحقق أي نهضة حقيقية مهما بلغت إنجازاتنا المادية.
إن الأمل معقود على وعي شبابنا وفتياتنا بأهمية العودة إلى القيم والأخلاق. الأمل معقود على استعدادهم للتغيير الإيجابي والعودة إلى جذورهم الأصيلة. والأمل الأكبر معقود على تكاتف كل مؤسسات المجتمع - من أسرة ومدرسة ومسجد ووسائل إعلام - في سبيل إعادة بناء الإنسان المتمسك بقيمه وأخلاقه.
فلنبدأ جميعاً من اليوم في هذه المهمة النبيلة، مهمة إعادة بناء الإنسان الصالح القادر على حمل راية التقدم والازدهار.