أحمد عزيز الدين يكتب.... العصر المسحور: حين يعانق الظلام أرواحنا

في زمنٍ تسارعت فيه العقول إلى استكشاف الكواكب، وانطلقت الحضارات تبني ذكاءً اصطناعيًا يقارب الخيال، لا تزال قلوبٌ بشرية معلّقة بخيوط السحر، تتقافز بين أوهام الشعوذة، وتتمرغ في طين الكيد والضرر للناس. ما بين بخورٍ مسموم، وتمتمات ليلية غامضة، ودمىً مغروزة بالدبابيس، يمضي بعض البشر في دهاليزٍ من الجهل، كأنهم يحنّون لعصور الكهوف والدماء.
الشعوذة: مهنةُ الوهم والتدمير
المشعوذ، ذاك الذي يدّعي امتلاك المفاتيح الغيبية، ليس سوى تاجر رعبٍ محترف، يبيع الوهم على هيئة خلاص، ويقدّم السكينَ في طبقٍ من طلاسم. لا دين يبرره، ولا عقل يقرّه، ولا ضمير يحتمله. إنه صانع الخراب، يغذّي النزاعات، يفسد العلاقات، يزرع الفرقة بين الأحبة، ويغرس السم في صدور البسطاء. يمتهن عقول الناس، يسحب أرواحهم إلى متاهات من الذل والانكسار، فيقتلهم روحيًا قبل أن يفتك الجسد بالأمراض النفسية والاجتماعية.
الكيد المؤسّس على السحر: جريمة ضد الإنسانية
كم من بيوت تهدمت، وقلوب تشققت، وأطفال شُرّدوا، بسبب امرأة حاقدة أو رجل غيور لجأ إلى ساحر جبان أو مشعوذ لعين؟ كم من مريض طُوّف به على الأطباء دون جدوى، والسبب طلسمٌ دفن في قبر، أو دمٌ رشّ في عتبة، أو خيط عُقد في ظلام؟ إنها جرائم لا تُرتكب بسكينٍ أو مسدس، بل بأدوات خفية، تقطر سما بطيئًا في الأرواح حتى تفنى.
الأمراض الاجتماعية: حين يصبح السحر ثقافة خفية
المصيبة الأكبر حين تتحول هذه الممارسات إلى جزء من الثقافة الشعبية. نسمع جُملًا مثل: "فلانة معمولة لها"، "افتح المصحف تلقى اسمك مربوط"، "شيخ يقدر يفك"، ويبدأ الناس يركضون خلف السراب، ويتعلقون بأهداب المجهول، بدلًا من مواجهة مشكلاتهم بالتفكير والعقل والعلم. فينتشر الجهل، ويُغيّب الوعي، ويترسّخ الخوف، ويُفتح الباب واسعًا أمام الاستغلال.
تحريض مشروع ضد المشعوذين: لا رحمة لآكلي الأرواح
أيّ تسامح مع المشعوذ هو خيانة للإنسانية. أيّ صمت عن أفعاله هو طعن في قلب المجتمع. يجب أن يُجرَّم المشعوذون بقوة القانون، ويُحاصَروا ثقافيًا، ويُفضَحوا إعلاميًا. على المدارس أن تُعلّم خطرهم، وعلى المنابر أن تحذّر منهم، وعلى الأسر أن تربي أبناءها على العقل لا على التعلق بالخرافة.
لنشعل ثورة فكرية ضد السحر، لا بالخوف منه، بل بالاستهزاء به. لنرد على الطلاسم بالمنطق، وعلى الخرافة بالعلم، وعلى الشعوذة بالوعي.
الخاتمة: لا سحرَ إلا سحر المحبة والعقل
في عالمٍ يغرق في الحروب والفقر والجهل، لسنا بحاجة إلى مزيدٍ من الظلام. إننا بحاجة إلى نورٍ يفضح هؤلاء المجرمين، إلى صحوة تمزّق الأقنعة عن وجوههم. دعونا ننتصر للإنسان، نعلنها حربًا على الشعوذة، حتى لا تظل قلوبنا مقيدة، وأرواحنا ممزقة، وعقولنا مسجونة في زنازين الوهم.
قفْ، وقاوم، وارفع صوتك عاليًا: لا للسحر، لا للشعوذة، لا للعار.
مراثي الظلام
_______
هل ضاقَ صدرُ النورِ حتى هاجرَتْ
أرواحُنا نحوَ الظلامِ لتسجُدَا؟
هل أجدبتْ أرضُ العقولِ، فارتوى
سمُّ الشعوذةِ البغيضةِ مُوقِدَا؟
أصبَحْنَ ننسجُ من دخانِ حروفِنا
تمائمًا تُهدي القلوبَ تَبَلُّدَا
نأتي إلى دَجَّالِ وقتِ العتمةِ
نرجوهُ أن يُرخي المصيرَ لنا غَدَا
من أيِّ كهفٍ جئتَ يا شيخَ الدُّجَى؟
أيِّ الخرائبِ قد غرستَ بها الرُّدَى؟
تقرأُ علينا سطرَ موتٍ قاتمٍ
وتبيعنا الحرفَ المسجَّى مُسهدَا
ما بينَ طلسمِك الكذوبِ وماؤه
يمشي الخرابُ بنا، ويُطفئُ موقدا
تفتحُ لنا بابَ النكوسِ، وتدّعي
أن الشفاءَ بموتِ غيرِك يُولَدَا
قل للحسادِ الذين توسّدوا
كفَّ المشعوذِ واستراحوا مُرصَدَا:
أيُّ انتقامٍ ذلكم؟ أيُ ارتقاءٍ؟
أفي الذُّهولِ تظنُّ مجدًا مُصعدَا؟
لو كنتَ حرًّا في ضميرِك، ما رضيتَ
أن تستبيحَ الناسَ كي تُرضي العِدا
أن تُشعلَ النيرانَ في أحداقِهم
وتبيتَ ترقبُ صرخةً أو مُفسِدَا
كم أمٍّ بكتْ فلذاتها من طعنةٍ
ما جاءها سيفٌ، ولكن طلسما
وكمٍ من الزوجاتِ ذابتْ صبرُها
أنقاضُ وهمٍ، أو سُعيرٌ مُجرَما
وطفلٍ ترنّحَ في المدارجِ صامتًا
لا يعرفُ الليلَ الطويلَ لِمَ انتمى
وجارٍ يُخاصمُ جارهُ من ظنّةٍ
كأنَّ بينهما الشياطينَ انتما
ما السحرُ إلّا كيدُ نفسٍ عاجزٍ
بالشرِّ يُمسي، أو لجنٍّ مُخدَما
فانهضْ، وصُحْ: يا قومُ لا تَغرقْ يدٌ
في بحرِ ذلٍّ أو لظىً متلعثما
دعوا الشعوذةَ، ارتقوا بضميرِكم
فالوعيُ وحدهُ الشفاءُ إذا هما
واكسرْ قناعَ الساحرينَ، فإنهم
باعوا العقولَ، وأوقدوا الشرَّ دِمَا