تحت المطر فيينا تتنفس التاريخ وتحتفل بولادة النمسا من جديد

في مشهد اتّسم بالرمزية والوقار، وتحت أمطار غزيرة تساقطت فوق العاصمة، أحيت القيادة السياسية النمساوية صباح أمس 25 أبريل 2025 مراسم الذكرى السنوية الثمانين لإعادة تأسيس الجمهورية، وذلك في حديقة Schweizergarten التاريخية وسط فيينا، أمام النصب التذكاري لتأسيس الدولة (Staatsgründungsdenkmal).
شهدت المراسم حضور كبار الشخصيات في الدولة، وعلى رأسهم رئيس الجمهورية ألكسندر فان دير بيلين، والمستشار الفيدرالي كريستيان شتوكر (عن حزب الشعب النمساوي ÖVP)، ونائب المستشار أندرياس بابلر (عن الحزب الاشتراكي SPÖ)، بالإضافة إلى وزيرة الدفاع كلاوديا تانر (ÖVP)، ووزير الدولة جوزيف شيلهورن (عن حزب نيوس NEOS).
شارك في المناسبة أيضًا كتيبة الحرس الشرفي للجيش النمساوي، التي أضفت بطابعها العسكري الجليل أجواء رسمية متميزة على الاحتفال. وقد بدأت المراسم بعزف النشيد الوطني، ثم قام المسؤولون بتفقد صفوف الحرس، لتُرفع لاحقًا الراية النمساوية وسط وقوف الحضور بإجلال.
يُعد يوم 27 أبريل 1945 محطة تاريخية فارقة في مسار الدولة النمساوية الحديثة، حيث تم في هذا اليوم الإعلان الرسمي عن استقلال النمسا عن الحكم النازي الألماني، وذلك قبل انتهاء الحرب العالمية الثانية بأسابيع قليلة. وقد مثّل هذا الإعلان – المعروف بـ “إعلان استقلال النمسا” – تأسيس ما بات يُعرف لاحقًا بـ”الجمهورية الثانية”.
وقع الإعلان ممثلون عن الأحزاب الثلاثة التي تولّت إعادة بناء النظام الجمهوري: الحزب الاشتراكي النمساوي (SPÖ)، حزب الشعب النمساوي (ÖVP)، والحزب الشيوعي النمساوي (KPÖ)، فيما تولى السياسي المخضرم كارل رينر منصب المستشار الأول للجمهورية بعد الحرب.
وجدير بالذكر ان النصب التذكاري في حديقة Schweizergarten، الذي تم إنشاؤه عام 1966، يرمز إلى مرحلتين مفصليتين في التاريخ النمساوي: تأسيس الجمهورية الأولى عام 1918 عقب انهيار الإمبراطورية النمساوية-المجرية، وإعادة تأسيس الجمهورية الثانية عام 1945 بعد سقوط النظام النازي.
وقد شهد هذا الموقع التاريخي أول فعالية رسمية لإحياء الذكرى السبعين للاستقلال في عام 2015، خلال عهد الرئيس السابق هاينز فيشر، ليصبح منذ ذلك الحين مركزًا رمزيًا للاحتفال بالهوية الوطنية واستذكار لحظات التحول السياسي الحاسمة في تاريخ البلاد.
عكست أجواء المناسبة – رغم الأمطار التي لم تتوقف – التزام الدولة النمساوية بمبادئ الحرية، والسيادة، والديمقراطية. وقد جاءت كلمات المسؤولين خلال المراسم لتؤكد على أهمية صون هذه القيم في ظل تحديات العصر الحديث، لا سيما في ظل المتغيرات الدولية وتنامي التوترات الإقليمية.
وتُعد هذه الذكرى فرصة لتجديد العهد بالمضي قدمًا في ترسيخ الوحدة الوطنية، والحفاظ على إرث من التعايش والاستقلال السياسي، الذي دفع من أجله الشعب النمساوي ثمناً باهظاً خلال مراحل تاريخية مضطربة.