السحر والشعوذة بين الجريمة والعقيدة – رؤية قانونية واجتماعية

في زمن تسارعت فيه وتيرة التقدم العلمي، ما زالت ظاهرة السحر والشعوذة تشكّل خطرًا خفيًا يهدد المجتمعات، لاسيما في القرى والمناطق النائية، حيث تنتشر الخرافات ويُستغل جهل الناس وفقرهم وجهلهم ببواطن الأمور. هذه الظاهرة ليست مجرد انحراف ديني، بل جريمة اجتماعية تهدد الأمن العام، وتستنزف أموال البسطاء، وتؤثر في حياتهم النفسية والأسرية.
يُجمع علماء الإسلام على أن السحر محرم شرعًا، بل يُعد من الكبائر، وقد ورد في القرآن الكريم التحذير منه، كما في قوله تعالى: "وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر" (سورة البقرة: 102). فالسحر ضرب من ضروب الكفر والضلال، ووسيلة للإضرار بالناس واستغلالهم.
رغم خطورة هذه الظاهرة، فإن القانون المصري لا يتضمن نصًا صريحًا يُجرّم "السحر" كجريمة مستقلة، إلا أن المشرّع لجأ إلى تجريم الأفعال المرتبطة به تحت توصيفات قانونية أخرى، مثل:
1. النصب والاحتيال – وفقًا لنص المادة 336 من قانون العقوبات المصري، التي تجرم كل من يحتال على الناس للحصول على مالهم، وهي تهمة تنطبق على الدجالين والمشعوذين الذين يدّعون امتلاك قوى خارقة.
2. انتهاك حرمة الحياة الخاصة – في حال استخدام الشعوذة لإلحاق ضرر بشخص أو تهديده، يمكن مساءلة الجاني بموجب قوانين السب والقذف أو التهديد.
3. القتل أو الإيذاء الخطأ – في حال تسبب السحر أو الوصفات التي يقدمها المشعوذون في وفاة شخص أو إصابته بأذى، يمكن اتهام الفاعل بالقتل الخطأ أو الإيذاء العمد.
القصور التشريعي وضرورة التعديل
ورغم هذه المواد، يظل التعامل مع جرائم السحر والشعوذة في القانون المصري غير كافٍ، حيث لا يعكس خطورة الظاهرة، ولا يتيح لرجال الضبط القضائي والنيابة العامة الوسائل الفعالة لمواجهتها. ولهذا، يدعو كثير من القانونيين إلى إضافة مادة صريحة في قانون العقوبات تُجرّم أعمال السحر والشعوذة وتحدد لها عقوبة واضحة، مع مراعاة الإثبات الفني والقانوني لتلك الجرائم.
الجانب المجتمعي والتوعوي
لا يقل دور المجتمع عن دور القانون. فالتوعية المستمرة، خصوصًا في المناطق الريفية، ضرورة لا غنى عنها. ويجب أن تتكاتف مؤسسات الدولة، مثل الأوقاف والتعليم والإعلام والمجتمع المدني، لنشر الوعي بخطورة هذه الأفعال من الناحيتين الدينية والقانونية.
الخلاصة
السحر والشعوذة ليست مجرد خرافات بريئة، بل جريمة مغلّفة بالدين والخداع. وغياب نص قانوني صريح لا يعني السكوت، بل يحتم التحرك على مستوى التشريع والتوعية معًا. فالعدالة الحقيقية لا تكتفي بمحاسبة القتلة والمجرمين بالسلاح، بل تمتد لمن يقتلون العقول ويستغلون الجهل والخوف باسم الغيب والروحانيات.