الطريق إلى القسطنطينية: رحلة الفتح الإسلامى

مع سقوط روما على يد الشعوب الجرمانية انتقل مركز ثقل الحضارة الرومانية إلى القسطنطينية عاصمة الإمبراطورية البيزنطية أو الإمبراطورية الرومانية الشرقية. ورثت هذه المدينة العريقة مستعمرات شرق المتوسط بما فيها مصر بلاد الشام وآسيا الصغرى، لتصبح مركزًا حضاريًا وثقافيًا عالميًا.
تأسيس القسطنطينية وازدهارها
تأسست المدينة عام 658 ق.م. كقرية للصيادين تُعرف باسم بيزنطة. فى عام 335م اختارها الإمبراطور قسطنطين عاصمةً للإمبراطورية الرومانية الشرقية، فأُطلق عليها اسمه تكريمًا له. أصبحت القسطنطينية مقر البطريركية الأرثوذكسية الشرقية وتألقت فى كنيسة آيا صوفيا خلال العصر الذهبى للإمبراطورية البيزنطية، خاصة فى عهد الأسرة المقدونية والكومنينيين. شهدت هذه الفترة المعروفة بالنهضة المقدونية، ازدهارًا ثقافيًا وعلميًا جعل المدينة رائدة عالميًا فى الحجم الثروة، والثقافة.
بشارات الفتح الإسلامى
مع بعثة النبى محمد (صلى الله عليه وسلم) حول العام 610م، بدأت نواة الدولة الإسلامية تتشكل. تنبأ النبى بفتوحات عظيمة للمسلمين، لم تقتصر على مصر وبلاد الشام بل امتدت إلى قلب الإمبراطورية البيزنطية: القسطنطينية. ألهمت هذه البشارات المسلمين لمحاولة فتح المدينة المنيعة عبر ثلاث محاولات رئيسية.
المحاولة الأولى (49-50هـ / 669-670م)
في عهد معاوية بن أبي سفيان، قاد فضالة بن عبيد الأنصاري الحملة الأولى لفتح القسطنطينية، مدعومًا بجيش بقيادة يزيد بن معاوية، وضم كبار الصحابة مثل عبد الله بن عباس، عبد الله بن عمر، وعبد الله بن الزبير، وأبو أيوب الأنصاري. وصل المسلمون إلى أسوار المدينة وحاصروها بضراوة، مُرهقين قوات البيزنطيين. لكن الحملة لم تحقق هدفها، واستشهد خلالها أبو أيوب الأنصاري، الذي دُفن تحت أسوار المدينة. رغم الفشل، نجحت الحملة في تشتيت انتباه البيزنطيين وإضعاف هجماتهم على المسلمين.
المحاولة الثانية (54-60هـ / 673-679م)
عُرفت هذه المحاولة بحصار السنوات السبع، حيث حاصر المسلمون، بقيادة معاوية، المدينة لمدة سبع سنوات، مقتصرين على عمليات الربيع والصيف بسبب قسوة الشتاء. عانى البيزنطيون من وطأة الحصار، لكن المدينة صمدت بفضل تحصيناتها القوية، التيارات البحرية، والنار الإغريقية – سلاح كيميائي مدمر أحرق سفن المسلمين وزرع الذعر في قلوبهم. أدرك معاوية استحالة الفتح، فعقد معاهدة صلح لثلاثين عامًا مع الإمبراطور قسطنطين الرابع، فعاد المسلمون دون تحقيق النصر.
المحاولة الثالثة (98-99هـ / 717-718م)
بعد استقرار الدولة الأموية في عهد عبد الملك بن مروان وابنه الوليد، أُعدت حملة ضخمة برية وبحرية بقيادة مسلمة بن عبد الملك في عهد الخليفة سليمان. حشد المسلمون جيشًا قوامه 80 ألف مقاتل وأسطولًا من 1800 سفينة، وحاصروا المدينة بضراوة، مدعومين بالمجانيق. لكن الأسوار المنيعة، النار الإغريقية، والعواصف البحرية التي دمرت جزءًا من الأسطول، أحبطت جهود المسلمين. تفاقمت الأوضاع مع شتاء قارس أودى بحياة العديد من الجنود والدواب، ونقص المؤن الذي أجبر المسلمين على أكل الجلود وأوراق الشجر. مع وفاة سليمان وتولي عمر بن عبد العزيز، أمر الأخير مسلمة بالعودة، لتنتهي المحاولة بالفشل.
أهمية المحاولات واستمرار الأمل
كان فشل المسلمين في فتح القسطنطينية عام 718م حدثًا محوريًا في تاريخ العصور الوسطى، إذ مكن البيزنطيين من الحفاظ على هيبتهم أمام أوروبا. ظلت المدينة صامدة حتى فتحها محمد الفاتح عام 1453م محققًا بشارة النبي (صلى الله عليه وسلم). تُظهر هذه المحاولات الثلاث الإصرار الإسلامي والتحديات الهائلة التي واجهتها الجيوش في مواجهة مدينة محصنة ومسلحة بأحدث الأسلحة.
المصادر
الدولة الأموية د. علي محمد الصلابى المجلد الأول.
تاريخ الدولة الأموية د. محمد سهيل طقوش.
تاريخ البحرية الإسلامية فى مصر وبلاد الشام.
تاريخ الرسل والملوك، الطبرى الجزء السادس.