مقاومة المصريين ضد الحملة الفرنسية (1798-1801)

استمرت الحملة الفرنسية على مصر نحو ثلاث سنوات واجه خلالها المصريون قوات نابليون بونابرت ببسالة وصمود، من خلال تنظيم احتجاجات شعبية وخوض معارك ضارية منذ وصول الفرنسيين حتى طردهم. تميزت هذه المقاومة بتنوع أشكالها حيث شارك فيها المماليك والفلاحون والأهالى بأسلحة بدائية لكن بروح وطنية عالية. فيما يلي أبرز محطات المقاومة:
1. مقاومة الإسكندرية (يوليو 1798):
فى صباح الأول من يوليو 1798 استيقظ أهالي الإسكندرية على وصول الأسطول الفرنسى إلى شواطئهم. لم يكن بالمدينة ما يكفى من الجنود لصد الجيش الفرنسى المدجج بالأسلحة الحديثة لكن حاكم المدينة السيد محمد كريم، تصدى لهم بكل ما أوتى من قوة معتمدًا على المقاومة الشعبية. رغم ذلك اقتحم الفرنسيون أسوار المدينة وأعلن نابليون الأمان. وفى 6 سبتمبر 1798، أصدر نابليون أمرًا بإعدام محمد كريم رميًا بالرصاص فى ميدان الرميلة بالقلعة حيث تم قطع رأسه وتعليقه بعد إعدامه فى محاولة لترهيب الأهالى.
2. معركة شبراخيت (13 يوليو 1798):
كانت محافظة البحيرة أولى المناطق التى اجتازها الجيش الفرنسى فى زحفه نحو القاهرة، مما تسبب فى معاناة الأهالى من نهب القرى والاعتداءات. نظّم رجال المقاومة فى البحيرة هجمات ضد الدوريات الفرنسية مستهدفين جنودها. فى 13 يوليو 1798 دارت معركة شبراخيت بين جيش مراد بك، الذى ضم 12 ألف مقاتل (منهم 3 آلاف من فرسان المماليك والباقون فلاحون مسلحون بأسلحة بدائية)، وبين الجيش الفرنسى. رغم بسالة المصريين انتصر الفرنسيون بفضل تفوقهم التكتيكى والتسليحى لكن دور الأهالى فى المعركة كان كبيرًا وفاق أحيانًا مساهمة المماليك.
3. معركة إمبابة الأهرامات (21 يوليو 1798):
تُعد معركة إمبابة أو معركة الأهرامات من أهم معارك الحملة الفرنسية، حيث مهدت لدخول نابليون إلى القاهرة. جرت المعركة بين المماليك بقيادة مراد بك وإبراهيم بك والجيش الفرنسى بقيادة نابليون. انتهت بهزيمة ساحقة للمماليك حيث قُتل وأُسر الآلاف وغرق العديد فى مياه النيل بينما بلغت خسائر الفرنسيين حوالي 300 قتيل. سُميت المعركة بالأهرامات لامتداد ساحة القتال من إمبابة إلى الأهرامات.
4. معركة الجمالية بالدقهلية:
سعى نابليون لتأمين السيطرة على منطقة البحر الصغير بين المنصورة وبحيرة المنزلة لضمان خطوط المواصلات. واجهت السفن الفرنسية، التي وصلت إلى الجمالية، صعوبات بسبب انخفاض منسوب المياه. انتهز أهالي الجمالية الفرصة، فهاجموا السفن بالنيران والحجارة من أعلى الأسوار. اضطر الفرنسيون للنزول إلى البر، حيث دارت معركة أسفرت عن مقتل حوالي 500 من الأهالي وإحراق البلدة، بينما خسر الفرنسيون 5 قتلى و15 جريحًا.
5. مقاومة الصعيد (أسيوط وسوهاج):
ثورة بني عدي في أسيوط (18 أبريل 1799):
قاد الشيخ حسن الخطيب ثورة بني عدي، التي تُعد العيد القومي لمحافظة أسيوط. تجمع أكثر من 3 آلاف من الأهالي و300 من المماليك لمواجهة قوات الجنرال دافو. استبسل الأهالي في الدفاع، لكن الفرنسيين، بعد عجزهم عن اختراق المقاومة، أحرقوا القرية ونهبوا ممتلكاتها، مخلفين بني عدي في حالة خراب.
معركة جهينة في سوهاج (10 أبريل 1799):
يُحتفل بهذا اليوم كعيد قومي لمحافظة سوهاج، تخليدًا لبطولة أهالي جهينة الذين تصدوا للفرنسيين. دافع الأهالي بشراسة عن بيوتهم باستخدام المدافع وأسلحة بدائية، ونجحوا في إلحاق هزيمة قاسية بالفرنسيين، مما أجبر الحملة على التراجع من عدة مدن وقرى المحافظة.
خاتمة:
تجسد مقاومة المصريين ضد الحملة الفرنسية ملحمة وطنية، حيث واجه الفلاحون والمماليك والأهالي جيشًا حديثًا بإمكانيات متواضعة لكن بإرادة لا تلين. رغم انتصارات الفرنسيين في بعض المعارك، فإن المقاومة الشعبية أضعفت الحملة وأجبرتها على الانسحاب في النهاية، تاركة وراءها إرثًا من البطولة والفداء فى تاريخ مصر الحديث.