18:10 | 23 يوليو 2019

الصمت بين السطور: ماذا يقول النص حين يصمت؟

6:59pm 16/04/25
جانب من المتابعه
بقلم: احمد عزيز الدين احمد

ثمة ما هو أبلغ من الكلام...

ثمة صمتٌ يسري في عروق النصوص، لا تراه العين، لكن تسمعه الروح.

ذاك الصمت المتسلل بين السطور ليس فراغًا بل امتلاء.

هو نَفَسُ الكتابة حين تضيق العبارة عن المدى،

وهو الهامش الذي تكتب فيه اللغة ما عجزت الحروف عن ححين يكتب الشاعر، لا يملأ بياض الصفحة، بل يحرّضه.

يترك فيها ما لا يُقال، لأن بعض الأحاسيس لا تليق بها الكلمات،

وبعض المعاني لا يليق بها اللفظ.

إنه صمتٌ كأنه همسة خفية بين الكاتب وقارئه:

"اقرأ ما لم أكتبه، فهو الأكثر صدقًا."

 

تأمّل بيت محمود درويش:

"ونحن نحبّ الحياة إذا ما استطعنا إليها سبيلا."

لكن ماذا بعد؟

لا يقول شيئًا، لكنه يتركك أمام فراغٍ موجع،

كأنك في ساحة معركة لم تُحسم، أو في نشيد لم يُكتمل.

ذلك "السكوت الشعري" هو إعلان هشاشة، هو أن تضع نقطة وتترك القلب يواصل وحده.

 

وفي نصوص غسان كنفاني، يتحدث الصمت بلغة الدم.

حين يسقط الطفل في "عائد إلى حيفا" دون أن ينتبه الأب،

لا حاجة للكاتب أن يصف الندم...

يكفي أن يسكت.

يكفي أن ينظر القارئ إلى المشهد وهو مُعلق بين التبرير والعجز.

الصمت هنا موقف، لا زخرفة.

 

أما أدب دوستويفسكي، فهو تعبير دائم عن الصمت الداخلي.

شخصياته لا تصرخ كثيرًا، لكنها تنفجر من الداخل.

اقرأ "الجريمة والعقاب"،

وتأمل كيف يكون التردد الداخلي، واللوم، والعذاب، طوفانًا صامتًا يعصف بأعماق راسكولنيكوف.

لا تحتاج أن تسمع صراخه، لأنك تراه وهو يحترق دون أن ينبس بكلمة.

 

الصمت في النص ليس نقصًا، بل غموضٌ مولّد للدهشة.

كما في لوحة رمبرانت التي تفيض بالظل، لا لتُخفي، بل لتُبرز الضوء،

كذلك الصمت الأدبي: يخلق ظلالًا حول الجمل، فتتوهج الفكرة.

 

الكاتب العظيم هو من يعرف متى يصمت،

لا متى يتكلم.

هو من يعرف أن المعنى حين يُقال كلّه، يموت،

وأن البياض لا يخون، بل يحتضن المعاني التي خجلت من الظهور.

 

حين نقرأ جملة مثل:

"سألته: أين كنت؟ فابتسم."

من المؤلم أن نكمل بعدها بشيء،

فالصمت هنا هو الجواب، وهو الجرح، وهو كل ما لم تستطع اللغة قوله.

لو واصل الكاتب الشرح، لاختنق الصدق.

 

وفي قصائد نزار قباني،

الصمت يأتي أحيانًا بعد كلمة حب،

فتصبح تلك الوقفة أكثر بلاغة من ألف قصيدة:

"أحبكِ…."

وتسكت الوردة في يده.

هل يحتاج الحب إلى تتمّة؟

أليست الغصة أجمل من الإفراط في البوح؟

 

الصمت هو "اللاعب السري" في الكتابة.

هو ذلك الذي يقف في الظل بينما الكلمات تتراقص،

فإذا ما توقفت، بقي هو… المعنى الذي لا يذوب.

 

كل كاتب حقيقي يعرف أن الجملة الأخيرة لا تُكتب،

بل يُشار إليها.

أن النهاية الكبرى لا تُقال،

بل تُفهم من اتساع السكون.

 

إن النص حين يصمت، لا ينتهي…

بل يبدأ من جديد،

ولكن هذه المرة، في داخل القارئ.

 

فهل تسمعه؟

هل تقدر أن تصغي إلى الجملة التي لم تُكتب؟

هل تستطيع أن تملأ البياض بصوتك أنت؟

ذاك هو التحدي، وتلك هي اللذة العظمى:

أن تكتب أنت، بقلبك، ما أسكته الكاتب.مله.

تابعنا على فيسبوك

. .
izmit escort batum escort
bodrum escort
paykasa bozum
gazianteplie.com izmir escort
18 film izle erotik film izle
deutsch porn