18:10 | 23 يوليو 2019

عبدالحي عطوان يكتب: لا تتركونني أموت وحيداً

3:05pm 13/04/25
عبد الحى عطوان
عبد الحى عطوان

تمدد بجسده النحيل مستلقياً على فراشه، بعدما أغلق شباك النافذة الوحيد الذي تدخل منه بعض نسمات الهواء، مطفأ مصباح إنارته، مكتفياً بضوء خفيف قادم من أعماق الصالة الموجودة أمام غرفته، ليسترجع ذكرياته الماضية خلال رحلة سنين عمره، التي أحس من وحدتها وقسوة آلامها بدنوها. 
أطبق قدميه فوق بعضهما، بدت نظراته تائهة تتفحص الحوائط والألوان الباهتة التي عتقها الزمن، غاص داخل ذاكرته للوراء، جاءت كشريط سينمائي مشوش، صراعاً طويلاً حتى فاض الصمت من حول الجدران التي تحيطه، والتي شعر أنها تكتم أنفاسه، حاول أن يصرخ صرخة مدوية، بعدما ظن أنه نائم، أو داخل حلم عابر، أو كابوس يطارده. 
جاءت الصور سريعة ومتلاحقة، تذكر حينما كان في مرحلة الشباب يرتدي تلك الملابس الأنيقة والحذاء الذي تضاهي لمعته بريق الشمس، والشعر الأسود الكثيف يغطي رأسه حتى جبينه، وخطوات قدميه عندما كان يسير فتفوح منه رائحة العطر ،ونظارته التى كانت تبدو وكأنها ماركة عالمية .
حاول أن يخرج من دائرة الماضى ،دار ببصره يميناً ويساراً، استوقفته بعض الصور التي تزين جدران الغرفة والتي علقها منذ سنوات بعيدة مضت، حاول أن يتذكر أسماء الأصدقاء الذين تطل وجوههم عليه، وأسماء البلاد التي زارها أو عمل فيها، والخطى التي لم تتم، انتابته رعشة مريبة، فقد شعر بقليل من الرطوبة تسرى بين ثنايا جسده النحيل ،حاول أن يلملم يديه حول ضلوعة، ويغمض عينيه ليغفو قليلاً فلم يستطع.فقد كان صراع الذكريات طاردًا لكل ما يهدئ من نومه
انتقل من بين ظلال الضوء الخافت، والتي شعر وكأنها الغيم الذي فرض ظلمته عند مروره مع السحاب، إلى تلك الصالة التي تحوي المقاعد العتيقة، والترابيزة التي بدت على أرجلها التمزق من مضي الزمن عليها.وتلك الستارة المعلقة على الشباك ذات الجوانب المفرغه والتى بدت الوانها وكأنها تحملت كل معارك الحياة .
جلس على أحد الكراسي المواجهة للتليفزيون ذات الجوانب الخشبية، حاول أن يميل رأسه للوراء ولكنه شعر وكأنها تحوي سرب يمام، أو تدقها أصوات صهيل خيل تدوس حوافرها على طريق مرصوف لتصنع نغم موسيقى أبدع في كتابة نوتته، أحس بشهوة العطش، فقد جاءت في ذاكرته أنين الأمواج البعيدة وعدد من الحكايات المليئة بالضجيج، رحلة طويلة قاربت على السابعين من العمر.
تذكر كيف كانت نصائح والده قرآناً يحفظ، وكيف حاول أن يربي أولاده بعد رحيل زوجته بنفس المبادئ، لكن الحياة وقسوتها أطاحت بكل شيء، فقد هجروه إلى منازلهم وأعمالهم منذ سنوات طويلة، بل سقط من ذاكرتهم، فما عادوا يتذكرون سوى أولادهم وأموالهم. تناسوا وجوده، فقد مرت سنوات طويلة على آخر زيارة أحدهم له.فقد أصبح فى تعداد النسيان 
قام منتفضاً إلى غرفته، فتح نوافذها حتى يضرب الهواء فيها، وأمسك بورقة بيضاء وبقلم قديم، كتب بعض كلماته التي اختلطت حروفها بدموعه فقد سالت دون أن يستطيع إيقافها: "لم يتبقَ في العمر سوى غفوات قصيرة، يقتلني الشوق و الحنين إليكم، هل تتذكرون كم عانيت فى تعليمكم علاجكم زواجكم ..لا تتركوني أموت وحيداً في غرفة مسدلة الستائر، فقد أفنيت عمري من أجلكم، لا تنتظروا ساعي البريد وهو يطرق بابكم ليخطركم بوفاتي والبقاء لله، لحظتها لا تكفي سحابة الغيم من دموع الندم التي ستذرفونها، حتى ولو بالمجاملة أو حساباً للبشر.. لا تتركوني أموت وحيداً".
 

تابعنا على فيسبوك

. .
izmit escort batum escort
bodrum escort
paykasa bozum
gazianteplie.com izmir escort
18 film izle erotik film izle
deutsch porn