ما بين غلاء الوقود واستغلال الأسواق... أين الحسم؟

لم تكن الزيادة الأخيرة في أسعار السولار والبنزين مجرد رقم يُضاف إلى لائحة التعريفات الرسمية، بل كانت شرارة أشعلت موجة من الاستغلال في الأسواق، ودلّت بوضوح على ثغرة في منظومة الرقابة والحسم، يدفع ثمنها المواطن وحده، بلا ذنب سوى أنه الطرف الأضعف في معادلة لا ترحم.
فمع كل زيادة معلنة في أسعار الوقود، يتحرك أصحاب النفوس المريضة بسرعة تفوق أجهزة الدولة نفسها، مستغلين الظرف الاقتصادي للعب على أوتار الاحتكار ورفع الأسعار عشوائيًا، دون أي سند قانوني أو مبرر تجاري حقيقي. والنتيجة؟ ارتفاع جنوني في أسعار السلع والخدمات، وعبء جديد يثقل كاهل المواطن البسيط.
إن الأزمة لا تكمن فقط في زيادة الوقود، بل في غياب الحزم والرقابة الجادة على الأسواق. فما جدوى القرارات إن لم تُرافقها أدوات تنفيذ فعّالة، وعقوبات رادعة، وحملات رقابية لا تترك ثغرة للمحتكر أو المتلاعب؟ هل يُعقل أن تكون الدولة قد أعلنت التعريفة الجديدة، والمواطن لا يزال يدفع ثمن وقود لم يستخدمه، في شكل زيادة مبالغ فيها في أجرة المواصلات، وأسعار الخضار، والسلع الأساسية؟
قانون حماية المستهلك رقم 181 لسنة 2018 واضح في مادته الخامسة التي تلزم المورد بأن يعلن عن أسعار المنتجات والخدمات بشكل واضح، وتمنع التلاعب بالأسعار أو استغلال الظروف الاستثنائية. لكن السؤال هنا: أين التطبيق؟
هل يكفي النص القانوني إذا غابت يد التنفيذ؟ وهل نكتفي بالتوصيات، بينما الأسواق تنفلت وتفقد السيطرة؟
إن الوقت قد حان لحسمٍ حقيقي، لا يخضع للمجاملات، ولا يخشى لوماً من تجار الأزمات. فالدولة القوية تُقاس بمدى قدرتها على حماية مواطنيها، لا بعدد قراراتها. ولا يجوز أن نترك المواطن يُستنزف، بينما الفاسدون يجنون الأرباح من دمائه.
لابد من قرارات واضحة، لجان تفتيش فورية، خط ساخن فعّال، وإحالات مباشرة إلى النيابة العامة لكل من يُثبت تلاعبه بقوت الناس. وهنا لا نحتاج إلا لمسؤول يخاف الله، لا يخشى سوى ضميره، ويعلم أن كل تهاون في حق المواطن هو خيانة للأمانة.
وأخيرًا...
ارتفاع الوقود قد يكون واقعًا اقتصاديًا، لكن استغلاله ليس قدرًا لا يُرد، بل انحراف يجب التصدي له بكل قوة، حتى تبقى الدولة في صف المواطن، لا في صف من يبتزّه.