المسؤولية والاحترام في العمل العام... سوهاج نموذجاً لما لا يجب أن يحدث

ما حدث مؤخرًا في محافظة سوهاج من خلاف علني ومشهد مؤسف بين نائب المحافظ والسكرتير العام أمام أعين المواطنين، والقيادات التنفيذية، وحتى الأطفال، يثير الكثير من علامات الاستفهام حول ما وصلت إليه بعض أروقة الإدارة المحلية في مصر من تدهور في لغة الحوار، وضياع لمعايير الاحترام المؤسسي.
لقد تابع الجميع ما جرى، من سب وقذف، وتبادل للاتهامات على مرأى ومسمع من الجميع، في سابقة لا يمكن تبريرها تحت أي ظرف. فالمسؤول عندما يتقلد منصبًا عامًا، يصبح ممثلاً للدولة، وسلوكه يجب أن يعكس هيبة الدولة واحترام القانون. فما حدث ليس مجرد "خلاف إداري"، بل سلوك يطعن في مبدأ سيادة القانون ويدمر صورة الدولة في أعين أبنائها، خاصة عندما يكون الجمهور من البسطاء وأطفال المدارس ومشايخ القبائل وأعيان المنطقة.
الأكثر جدلًا في هذه القضية، هو قرار وزيرة التنمية المحلية بإقالة السكرتير العام للمحافظة عقب تلك الواقعة، ما فتح الباب أمام حالة من الجدل العام بين مؤيد ومعارض. فالمؤيدون يرون أن القرار جاء لحماية المؤسسة من التدهور وضبط الانضباط، بينما يرى المعارضون أن القرار ربما جاء متسرعًا أو مجحفًا دون تحقيق موسع أو شفافية في عرض الوقائع.
هنا يبرز السؤال:
هل يجوز أن تُدار الأمور بهذا الشكل في دولة بحجم مصر؟
مصر، الدولة العريقة التي أرست دعائم الإدارة والقانون منذ آلاف السنين، لا يجب أن تكون ساحتها الإدارية مسرحًا لتصفية الحسابات أو استعراض النفوذ الشخصي.
من الناحية القانونية، ما حدث يستوجب فتح تحقيق شفاف، مستقل، يُمكِّن كل طرف من الدفاع عن نفسه، ويُحاسَب من تجاوز، وفقًا للقانون رقم 81 لسنة 2016 بشأن الخدمة المدنية، الذي نظم السلوك الوظيفي، وحدد آليات المساءلة التأديبية في حال ارتكاب الموظف العام لأفعال تمس كرامة الوظيفة.
أما من الناحية المجتمعية، فإن هذه الواقعة تستدعي وقفة جادة لإعادة تأهيل المسؤولين على ثقافة الحوار، وأدب الخلاف، واحترام العمل الجماعي والمؤسسي. فالأجيال تراقب، والشعب لا ينسى، والدولة بحاجة إلى من يرتقون بها، لا من يسيئون إليها.
وأخيرًا...
القيادة مسؤولية، وليست سلطة. واللسان قد يهدم ما تبنيه العقول. فليتذكر كل مسؤول أن الكلمة أمانة، وأن المواطن البسيط ينتظر نموذجًا يُحتذى به، لا مشهدًا مخزيًا يُخجل أبناء الوطن .