أمٌّ تزرع الخير وتحصد الوفاء

لا توجد يد على وجه الأرض تُشبه يد الأم حين تُزرع. فهي لا تزرع في أرض، بل تزرع في قلوب. تسقيهم حبًا، وتغمرهم دعاءً، وتُعلّمهم بأفعالها قبل أقوالها. الأم ليست مجرد حاضنة، بل هي مُعلّمة بالفطرة، ومُربّية بالحب، ومُنتظرة بالصبر.
منذ اللحظة الأولى، تبدأ الزراعة.
تُمسك بيد طفلها، تُعلّمه أولى خطواته في الحياة، لا بالكلمات وحدها، بل بالنظرات، بالحنان، وبالقدوة. تُردّد على مسامعه "افعل الخير، قل الحق، ساعد غيرك، واحترم الكبير". قد لا يدرك الطفل مغزى هذه الكلمات في حينها، لكنه يخزنها، يخبئها في عمق ذاكرته حتى يحين وقت الحصاد.
تُعلمه، وتنتظر بصمت.
لا تطلب الأم شيئًا، لا تزرع من أجل المقابل، بل تزرع لأن قلبها لا يعرف غير العطاء. تنتظر على استحياء، لا تطلب من أبنائها مالًا ولا جاهًا، بل فقط أن تراهم كما تمنّت: مستقيمين، مُحبين، بارّين، يُكملون ما بدأته من خير.
ويأتي يوم الحصاد...
حين يكبر الأبناء، ويصبحون رجالًا ونساءً يُذكرون بالخير في المجالس، ويُشار إليهم بالبنان في مجالات العمل، تُشرق في قلب الأم فرحة لا تُقاس. وحين يُقبل الابن على يدها، أو تُقبّلها ابنتها وتقول: "كل ما نحن فيه هو بفضل الله ثم دعواتك"، تعرف الأم أنها نجحت في مهمتها.
وفي النهاية، تبقى الحقيقة الأجمل: كل أم تزرع في أبنائها خيرًا، ستراه عاجلًا أو آجلًا، فالغُرس الطيب لا يموت، وإن تأخّر المطر.