18:10 | 23 يوليو 2019

عبدالحى عطوان يكتب: سكوت الحكم آخر الجلسة

11:02am 29/03/25
عبدالحى عطوان
عبدالحى عطوان

دخل بين جدران غرفته، وقف قليلاً يتأمل أركانها. دفعته رحلته الطويلة لأن يستلقي على سريره الذي بدت الأشياء فوقه مبعثرة. جال بخاطره بين حوائطها، زاغت عيناه بين ألوان السقف الباهتة وخطوطه، حتى شعر بأنفاسه تطبق على خلجات صدره. نهض مسرعاً وأخذ خطوات ليأتي بحقيبته التي كان قد وضعها فوق الدولاب المتهالك، والشاهد الصامت على كل الذكريات. فعمره من عمر تلك الغرفة منذ وطأتها قدماه. أخذ يعبث داخلها بين أوراقه التي تغيرت ألوانها بفعل الزمن، فماجت باللون المصفر، وبين الكلمات التي أصبحت باهتة وصعب على العين قراءتها.
عثر بين طياتها على مجموعة من الصور الفوتوغرافية التي تم التقاطها في زمن مضى. أخذ يقلب بينها ويطيل النظر فيها حتى يستهلك الوقت المتبقي من الليل الطويل. فما بين كل صورة وأخرى، تقبع حكاية تحمل عنواناً للمكان والزمان.
وجد حزمة من الرسائل يلتف حولها خيط حريري تعود إلى زمن بعيد. أخذها بين يديه، وعاد ليستلقي على السرير مرة أخرى متمدداً وضعًا وسادة أسفل رأسه. بدأ يقرأ في كلمات إحداها، يفك طلاسم الحروف، سرح بخياله لزمانها. تذكر أيام غربته وكيف كان يجلس بالساعات يعيد قراءة تلك الكلمات مرة بعد مرة، رسائلها وصورها ورائحة العطر بين سطورها ومناداة ساعي البريد، وطريقة رسم الحروف. لم يستطع أن يقاوم الرعشة التي سرت في جسده، وأعادت له حنين الذكريات.
حاول أن ينام ليهدئ من عقله الذي ثار وبدأ يسترجع أيامه الخوالى، المواقف، الهمسات. هنا كانت الابتسامة، وهنا كانت الضحكات، وهنا جلسنا نروي ونسرد الأحلام، وهنا تشابكت الأيدي، وتاهت النظرات. أخذته أنفاسه المكتومة داخل صدره إلى السؤال: كيف وصلنا إلى هذة النهاية ؟ نقضي أياماً وأيام ما بين مكاتب المحامين وأروقة المحاكم، نتنازع، نكيل التهم، نتسابق لنعرّي أجسادنا بين الناس، نبدع في الكذب والتلفيق لنفوز بحكم تلك الجلسات.
لم تغلق جفون عينيه، فقد ظل مستيقظاً حتى ظهرت بوادر الصباح. ارتدى ملابسه، احتسى كوباً من الشاي، نزل إلى الشارع مهرولاً، متخذاً القرار. تسابقت قدماه نحو ذلك المبنى الذي أخذ من عمره أياماً وسنوات. تذكر كيف كان يتوارى بوجهه بعيداً عن تلك العيون التي تتهامس عليه كلما رأته يخطو بخطواته داخل طرقاته أو بين جدران مكاتبه. لكن إحساسه اليوم كان مختلفاً كل الاختلاف، فما عاد هناك شيء يخجله. فقد حسم أمره واتخذ قراره.
وقف قليلاً على ناصية ذلك الشارع، فقد ذكره بدعواتها، بنظراتها، برائحة عطرها، حينما كانا يهمان بالإفتراق. خطا خطواته للداخل، دخل بين جدران الغرفة، جلس على الأريكة الطويلة، يراقب نظرات العيون، منتظراً مناداة ذلك الحاجب الذي حفظ كل تفاصيل ملامحه من كثرة التكرار. وعندما حان دوره، وقف في شموخ، رافعاً رأسه، يشعر أن الجدران اتسعت وأن كل الناس تسمعه.
قال بصوت بدت نبراته فرحة: "سيدي القاضي، شهر كريم، وصوم كريم، لا أدعي النبوة، ولا التدين، لكنني أعترف أمامكم بأن خطاياي أثقلت كاهلي. فقد أخذني العناد بعيداً، دخلت في حرب لأيام وسنوات، فقد كانت جزءاً من روحي، من جسدي. كانت كل حياتي، كل الذكريات. اليوم أعلنها أمامك، سيدي، وأمام كل الدنيا، بكل تسامح وحب أتنازل وأنا في كامل قواي عن كل القضايا، وأتمنى ألا يكون بعد فوات الأوان. ومستعد لكافة التعويضات."
وقبل أن يهم الجميع بالتصفيق دوت جدران المحكمة بالمطرقة، سكوت... الحكم آخر الجلسة.
 

تابعنا على فيسبوك

. .
izmit escort batum escort
bodrum escort
paykasa bozum
gazianteplie.com izmir escort
18 film izle erotik film izle
deutsch porn