ذكريات رمضان مع نور سلامه

من أبرز الأحداث التاريخية التي وقعت يوم 18 رمضان، وفاة الإمام مالك بن أنس، إمام المذهب المالكي وأحد أعلام الفقه الإسلامي السني الأربعة. توفي في 18 رمضان عام 179 هـ، الموافق تقريبًا لديسمبر 795 م أو يناير 796 م (بحسب حسابات التواريخ الهجرية). نشأ الإمام مالك في المدينة المنورة، حيث وُلد عام 93 هـ، وعاش فيها طوال حياته حتى وافته المنية عن عمر يناهز 86 عامًا، ودفن في مقبرة البقيع. شهدت جنازته حضورًا حاشدًا من أهل المدينة، تكريمًا لمكانته العلمية ودوره الكبير.

اعتمد الإمام مالك في مذهبه على أصول التشريع الأساسية: القرآن الكريم، السنة النبوية، الإجماع، والقياس، مع تركيز خاص على "عمل أهل المدينة" كمرجع فقهي. وكان يرى أن أهل المدينة الأقرب إلى تطبيق السنة النبوية بحكم معيشتهم فيها خلال الفترة الزمنية الأقرب لعصر النبي محمد. وقد ترك إرثًا علميًا غنيًا، من أبرز معالمه كتاب "الموطأ"، الذي يُعد من أوائل كتب الحديث والفقه، ويجمع بين أحاديث النبي وأقوال الصحابة وآراء الفقهاء، مُرتبًا وفق أبواب الفقه.

على يد الإمام مالك تربى عدد من كبار العلماء، مثل الإمام الشافعي، مما أسهم في انتشار مذهبه في مناطق واسعة مثل شمال إفريقيا، الأندلس، وغرب إفريقيا، ولا يزال مذهبه رائجًا في دول مثل المغرب، الجزائر، وتونس.

شهدت حياة الإمام مالك مواقف صعبة ذات أبعاد سياسية، إذ عاصر الدولتين الأموية والعباسية. ومن أشهر هذه المواقف تعرضه للجلد في حادثة وقعت عام 145 هـ بسبب فتواه بفسخ بيعة المكرهين. وقد أثر هذا الحادث في صحته لاحقًا، ولكنه لم يحيد عن منهجه العلمي المتزن. كان الإمام مالك معروفًا بالحكمة والتروي في إصدار الفتاوى، واعتبر العلم نورًا يقذفه الله في القلب، وليس مجرد كثرة الروايات.

ابتعد الإمام مالك عن الخوض في القضايا الفلسفية المعقدة، متمسكًا بالنصوص مع مراعاة المصلحة العامة. وعلى الرغم من اختلاف الآراء حول سبب وفاته بين كبر السن أو تأثيرات حادثة الجلد، يُرجح أن الوفاة كانت نتيجة التقدم في العمر، خاصة مع مرور 34 عامًا بين الحادثة ووفاته.

يبقى مذهب الإمام مالك شاهدًا على روح الوسطية والاعتدال التي اتسم بها الإسلام في المدينة المنورة، وإسهامًا بارزًا في تطور العلوم الشرعية وترسيخها عبر الأجيال