18:10 | 23 يوليو 2019

عبد الحى عطوان يكتب : الكاتب والابتزاز الرخيص

12:20pm 17/03/25
عبد الحى عطوان
عبد الحى عطوان

دائمًا ما ينطلق الكاتب في رحلة تأمل داخلي حين يتناول فكرة ما للكتابة عنها، حيث يخوض حوارًا صامتًا مع ذاته أشبه بهمس خافت أحيانًا، أو بصخب يشبه معركة فكرية عنيفة، وذلك نتيجة لما تلتقطه عيناه من أحداث يومية متباينة بشخصياتها وتحولاتها وتعقيدها. أما مع تنوع الضمائر والنفوس في الطرح، فقد يواجه الكاتب نوعًا خاصًا من التحدي الذي يصل أحيانًا إلى الابتزاز، خاصة في ظل انتشار الصفحات الوهمية وأبطال "فيس بوك" الجدد الذين وجدوا في الفضاء الرقمي متنفسًا لنواقصهم.

في زمن تغيرت فيه المعايير والقيم، أصبح الحديث بصوت مرتفع – الذي كان سابقًا يُعد تصرفًا غير لائق – مقبولًا بل مألوفًا، واندثرت معه الكثير من الأخلاق التي كانت تُعتبر ركيزة أساسية للتفاعل الإنساني. وبينما كانت المعارك في الماضي تُدار بأخلاقيات وشرف، تعاني اليوم القيم والمبادئ من انحسار ملحوظ. كل هذا أضاف ثقلًا على كاهل الكاتب، وصعّب عليه إيصال كلماته إلى الآذان والعقول، لتتحول معاناته إلى معركة يومية يجد فيها أفكاره تكافح للظهور وسط بحر من التناقضات والصراعات.

من أكثر اللحظات ألمًا للكاتب أن يشعر بعدم وصول فكرته للقراء، أو أن يقوم أحدهم عمدًا بتحريفها وتشويهها، أو حتى إساءة فهمها وبناء افتراضات وأحكام بعيدة كل البعد عن مقصدها الحقيقي. الأكثر إيلامًا أن تتبدل فكرة المقال إلى هجوم شخصي يستهدف الكاتب نفسه، مما يحوّل النقد الفكري إلى معركة شخصية يتم فيها الترويج للشائعات والأكاذيب بغية النيل منه، عوضًا عن تحليل محتوى الأفكار بموضوعية. الأدوات جاهزة للتشويه، وللأسف يجد هذا الافتراء جمهورًا يصدقه؛ فمجتمعنا – بطبيعته – يهوى الفضائح أكثر من الإنجازات والحقائق.

وفي الجانب الآخر، هناك نوع من المتابعين يحمل نزعة سوداء تجاه أي شيء يُكتب، بغض النظر عن محتواه أو اتجاهه. إذا تحدثت عن الجمود الفكري ينتقدك، وإذا تناولت قضايا التطور هاجمك أيضًا. هو دائم السلبية وغير راضٍ سواء انحزت لليمين أو اليسار أو بقيت محايدًا. هؤلاء قد يستخدمون لونك أو أيديولوجيتك أو حتى اسمك أدوات للهجوم. والأسوأ أن تجد هذه العدائية بين زملاء المهنة أنفسهم.

كما أن هناك من يتربص بك لحظة الخطأ، فيقتطع كلماتك من سياقها ليوظفها في بناء هجومه الشخصي عليك، محاولًا تصوير نفسه كالبطل، بينما هو في الحقيقة لا يتجاوز كونه "بطل ورقي" أدواته الفتنة والحقد.

وبالمقابل، هناك النوع الإيجابي المتصالح مع ذاته والمتوازن في تفكيره، الذي وإن لم يوافق طرحك أو يجد فيه توافقًا مع أيديولوجيته يحترم رأيك ويكتفي بتعبير بسيط مثل: "أوجزت فأحسنت". وإذا شاطرك الفكر أو وجد الطرح ملائمًا لمعتقداته وثقافته، ناقشك برقي واحترام.

وفي نهاية المطاف، رغم كل التحديات والإزعاجات المتكررة التي يواجهها الكاتب من حديثي العهد بعالم "الفيس بوك" وصفحات مجهولة المصدر التي تشوه الفكر والجمال في العقول، إلا أن بصيص الأمل يظل قائمًا. فمن المبهج تزايد أعداد المثقفين وأصحاب الرؤى الواعية، حتى وإن كانوا يتحفظون على الإدلاء برأيهم تفاديًا للمهاترات العقيمة. هؤلاء يمثلون الأمل في استعادة قيمة الفكر وتقدير المعاني السامية التي تحرك الكتابة وتصنع جمالها

تابعنا على فيسبوك

. .
izmit escort batum escort
bodrum escort
paykasa bozum
gazianteplie.com izmir escort
18 film izle erotik film izle
deutsch porn