الحرص على الدنيا
من أسباب الشقاء والتعاسة أن يحرص الإنسان على الدنيا ويقاتل من أجلها، ويرهق فكره من أجل متاعها الفاني، وهي عند أهل العقل والحكمة لا ترتقي إلى هذه المكانة، فهي دنيا مشتقة من الدنو بمعنى: قرب الرحيل عنها، أو مشتقة من الدناءة بمعنى: الوضاعة والخسة، وكلاهما صفة ذم، وقد قال عنها الهادي البشير: ( الدنيا لا تزن عند الله جناح بعوضة ولو كانت تزن عند الله جناح بعوضة ما سقى الكافر منها جرعة ماء )
نعم، لا حرج في جمع متاعها من أجل تلبية مطالب الإنسان وقضاء حوائجه، وتوفير سبل العيش لأولاده، وتقديم يد العون لغيره، فهي أمور مأمور بها شرعا، حيث قال تعالى: ( ولا تنس نصيبك من الدنيا )
ولكن الحرص كل الحرص يجب أن يكون على اللحظات التي نعيشها من الدنيا بين الذكر والعبادة والصوم وكل أنواع القربى لله عز وجل، فهذا ما سماه نبينا : ( الدنيا مزرعة الآخرة ) فكم من عالم خدم أجيالا بعلم ألفه في بلاد متنوعة، وكم من زاهد وصل إلى درجته هذه بالعكوف على التأمل في الدنيا ونهايتها، وكم من رجل حصل على حب الله ورسوله من يد تقشفت من العمل، كما قالها للرجل الذي خشنت يده من كثرة العمل: ( تلك يد يحبها الله ورسوله )
فعلينا أن نأخذ من الدنيا ما نعمر به قبورنا ونتمكن من إجابة الملكين ونلقى بها ربنا ونرقى بها في مدارج العلو حتى نصل إلى سكنى رسول الله في الفردوس الأعلى من الجنة