18:10 | 23 يوليو 2019

عبد الحى عطوان يكتب: مريم وشريط الذكريات

4:58pm 11/01/25
عبدالحى عطوان
عبد الحى عطوان

عادت بعد عناء طويل ويوم شاق مؤلم وحوار مع مدير إحدى الجمعيات التي تطلب السداد وتهدد بالحبس، فازدحام الشوارع وحرارة الشمس وقيظ النهار عاد خانقاً، جلست مريم تلتقط أنفاسها على كرسي قديم متهالك موجود في منتصف الصالة، التي بدت خاوية من الأثاث، حيث تقبع بين أربعة من الجدران ذات الألوان الباهتة، وقد غطى الزمن بتجاعيده على تلك الملامح فحوّلها إلى لوحة جدارية تعبر عن التعاسة والشقاء.
وما أن أغمضت جفون عينيها قليلاً حتى سرحت بخيالها للوراء، تذكرت من سنين طويلة مضت تلك اللحظة التي نادى فيها الأب على أمها وهمس بصوت خافت في أذنيها: "لقد جاء عريس لمريم". ما زالت تذكر عيني الأم، حين تنهدت شهيقاً طويلاً وقد لمع البريق بهما، وكأنه طوق نجاة، ما زالت تتذكر كلماتها وهي تهمس للأب متلهفة سؤالاً تلو سؤال عنه؟ وعن عائلته؟ وظروفه وطبيعة عمله؟ وهل يعرف شيئاً عن ظروفنا؟ متسائلة هل جلست معه وصارحته بكل تفاصيل ظروفنا؟
ما زالت تذكر تلك اللحظات، حينما دققت السمع في محاولة لاستكشاف رأي الأب أو ردود الإجابات أو وصفه لذلك العريس القادم عبر زواج الصالونات، ظروفه، عمله، ملامحه، أناقته، ومن تفاصيل الحوار عرفت أنه عامل باليومية بإحدى الحرف المهنية، ما يطلقون عليه عبر كلمات المثقفين عمالة غير منتظمة، وأضاف الأب أن معه شهادة تخرج أخرى بأن لديه طموحاً أن يفتتح محلاً كبيراً لتجارة الأدوات الكهربائية.
سريعاً أطلت برأسها ليلة الخطوبة فقد تمت في نطاق عائلي ضيق، فقط زغاريد الأم والجيران، وشريط النور الوحيد الذي علق في مدخل الحارة التي تم كنسها ورشها بالماء، وعدد من الكراسي القليلة التي تم وضعها في مدخل المنزل القديم وسط فرحة وضجيج الأطفال، وجلوسه بجانبها لأول مرة وهي ترتدي ذلك الفستان الذي لمع الترتر على كل تفاصيله وفرحة عينيه، وكلماته القليلة التي نطق بها.
تنهدت طويلاً وقبل أن تفيق أو تفتح جفون عينيها أطلت برأسها ليلة الزفاف، وتلك السيارة التي زينت أبوابها ببوكيهات الورد حينما وقفت أمام أحد المنازل، خطوات مع تشابك الأيدي ورقص وتهليل الأصدقاء فقد صارت عروساً لزوج لا تعرفه إلا من حوار الأهل والجيران، مرت الأيام سريعاً بحلوها ومرها، شهور وكان الطفل الأول يحبو بين جدران بيتها، وصوت نحيبه يزلزل أركانها.
حاولت أن تفيق من غفوتها، حركت رأسها يميناً ويساراً أخذت تكلم نفسها وكأنه مسها جن، فما عادت تتهامس، فصوتها تحول إلى صراخ، تساءلت: "هل وصلت لمرحلة الجنون؟ ماذا أفعل؟"، فالزوج ما عاد يستطيع الوقوف فقد انتابته جلطة بالدماغ أفقدته الأطراف، أعجزته عن كل شيء وأسعار الأدوية وتكاليف المستشفيات التهمت كل شيء حتى باعت كل شيء؛ المقتنيات، والمتعلقات، والأثاث، والكماليات، ولم يتبق لهم سوى ذلك السرير الذي ينام عليه، حتى اقترضت من إحدى الجمعيات، وإلى اليوم ما زال يحتاج للدواء.
استيقظت من الذكريات فتحت عينيها بعد رحلة طويلة مع المعاناة ما بين عمل وبطالة، فواتير وديون ومطالب معيشية، "ماذا أفعل؟" انهمرت الدموع فوق خديها، حينما تذكرت صراخ مدير الجمعية التي اقترضت منها مبلغاً في رحلة العلاج وتهديده ووعيده لها بالحبس ورفع الإيصالات التي وقعتها على بياض مقابل مبلغ زهيد من المال، وبرغم كل هذه المعاناة باتت وحيدة، فقد رحل السند والظهر، ولم يتبق سوى قسوة الزمن ومرارة الأيام وجفاء الأقارب والأشقاء.
وقفت محاولة أن تخطو فقد دوى صراخ ذلك الطفل وكأنه يناجيها، نظرت إليه بابتسامة حزينة تغلفها دموع القهر والذل، والظلم، قالت له: "اليوم ما زلت بجانبك ولا أعرف غداً من يرعاك، اليوم ما زلت أمك لكن غداً ستصبح يتيم الأب وابن الأم السجينة".
وفي النهاية... والعهدة على الراوي القصة واقعية آلاف السجينات خلف القضبان من وراء جمعيات الإقراض التي بلا قانون أو حساب أو ضمير لأصحابها أو محاميها، فهي باتت تعبث في حياة الغلابة بلا رقابة.
 

تابعنا على فيسبوك

. .
izmit escort batum escort
bodrum escort
paykasa bozum
gazianteplie.com izmir escort
18 film izle erotik film izle
deutsch porn