للشجاعة عنوان.. وللنذالة عنوان آخر!
كم كان الشعب اللبناني الواحد الموحَّد يتمنى أن يرى مسؤولاً عربيّاً واحداً، ولو من الصف العاشر، يأتي ليجول بين الركام ويطوف بين أحياء عاصمته الصامدة بيروت، ويلتقي فعالياته من شتى المذاهب والطوائف والأحزاب التي وحّد صفوفها الدم والردم الواحد، من عدو لئيم واحد بذل الغالي والنفيس لشقّ صفوفها، وإذكاء نار الفتنة والفرقة بل والتناحر ما أمكن بين أبنائها، ولمّا خاب رجاء كبير مجرميه نتنياهو في ذلك كشّر عن أنيابه قتلاً وتدميراً مستهدفاً الكل اللبناني بلا استثناء، بعد أن ذرف في رسالته بالأمس دموع التماسيح محرّضاً ومتوعّداً وآمراً وناهياً، يخال نفسه بات رئيساً لبنانياً شرعيّاً في اليرزة بعد فشله الذريع في حماية تل أبيب نفسها.. ولكن كما قال الشاعر المصري العروبي أمير الشعراء أحمد شوقي:
وما نيل المطالب بالتمنّي ولكن تؤخذ الدنيا غِلابا".
لم يكن رئيس البرلمان الإيراني محمد باقر قاليباف بحاجة إلى قيادة طائرته بنفسه ليحط في بيروت وسط تحليق طيران ومسيّرات "الكيان" المجرم، ليثبت شجاعته الشخصية والثقة بالنفس، والتي تعكس ثقته العالية بدولته إيران التي يمثّلها وباقتدارها وقوّتها الرادعة التي يعترف بها قادة "الكيان" أنفسهم وداعميهم في واشنطن وكافة عواصم الغرب الاستعماري، فيما يصرّ من استمرؤوا الذل والهوان على عكس ذلك، بصورة باتت تبعث على السخرية والتندّر حتى لدى مَن عاينوا الحقيقة من الإسرائيليين أنفسهم، لدرجة أن أبواقهم لم تزل تُمعن بإلحاح وإصرار عجيب على مواصلة التغريد في الواد السحيق ذاته، فيما العالم ومنه الإسرائيلي يغرّد في واد آخر.
كما أن قاليباف لم يكن بحاجة إلى تأكيد ما أكدته بالفعل لا بالقول صواريخ إيران التي دكّت قلاع "الكيان" المتغطرس العسكرية من مطارات ومقار أمنية، والتي اعترف قادته من على منبر الكنيست بجدواها ودقة إصابتها وبفشل كل منظوماتهم الدفاعية الأحدث في ترسانة الغرب في اعتراضها، وانفرد الأنذال وحدهم على عكس ذلك.. معلناً أنه يحمل رسالة تجديد دعم قائد الثورة الإسلامية السيد علي الخامنئي للبنان حكومة وشعباً ومقاومته المقتدرة، كل الشعب اللبناني بمختلف طوائفه ودونما انتقائية أو تمييز كما يفعل المرجفون في الأرض والمتآمرون على وحدة لبنان والمدّعون حرصهم على "سيادة واستقلال لبنان"، والمصرّون على معزوفة "قوة لبنان في ضعفه"، والسّاعون إلى كسر حلقات معادلته الذهبية: الشعب، الجيش، والمقاومة. والتي حققت له العزة والكرامة والردع الذي يفتقدونه، بل ولا يريدونه كونه يذكّرهم ويفضح ذلّهم وهوانهم وعارهم الذي ارتضوه بإرادتهم لأنفسهم، وبئس الاختيار.
وكي يؤكد صدق الموقف الإيراني، ويدحض كل إدّعاءات المدّعين وتشكيك المشككين المُصرّين على المضي في غيّهم وعماهم ولو أضاءت إيران لهم أصابعها العشرة شموعاً ومصابيح، لم يكتف بلقاءاته الرسمية مع قادة كافة المكوّنات اللبنانية. بل وقام بجولات تفقدية لمعاينة ما أحدثته آلة الحرب الهمجية في مختلف المناطق والتي تعبّر عن استهداف الوطن اللبناني بشتى طوائفه دونما تمييز أو استثناء، ولم يفته أن يلتقي كافة الفعاليات اللبنانية والفلسطينية في السفارة الإيرانية ليؤكد وحدة المصير والمواجهة، ووقوف إيران الدائم مع لبنان في محنة النازحين وكيفية إيصال المساعدات لهم عبر جسر جوي مباشر، حيث قال: "رسالتنا إلى الشعب اللبناني هي أننا سنبقى إلى جانب لبنان حكومة وشعباً ومقاومة وسنكون بخدمته في ظروفه الصعبة". مشدداً على الترابط العضوي بين وقف الحرب الشامل في فلسطين ولبنان وكافة الجبهات معاً، ومجدداً التزام جمهوريته بتعميم هذه المواقف في كافة المحافل العربية والإسلامية والدولية البرلمانية منها والحكومية. وهو ما يعيد إلى الأذهان وقوف إيران المبدئي من "الوسيط القطري" الحال يوم حاصرها الأشقّاء السعوديين والإماراتيين حصاراً مشدداً لدرجة التجويع وقطع أوكسجين الحياة لو استطاعوا، ولم تجد منقذاً لها سوى الحضن الإيراني الذي لاذت به من جور الأشقاء وكان أن أنشأ لها جسراً جوياً كطوق نجاة حينها.
وبذلك يكون قاليباف قد وضع النقاط على الحروف، وأكّد مجدداً وللمرة الألف بعد المئة ما يدركة "الكيان" المجرم وداعميه، ووحدهم مَن هم على هامش التاريخ، وخصوصاً بعد جولة وزير خارجية إيران عباس عراقجي التطمينية لكافة دول الجوار، والتي ترافقت مع تصريحات "سموتريتش" المجرم باستهداف السعودية والعراق والأردن ومصر وسوريا ولبنان وكذلك تركيا باعتبارها جزءاً لا يتجزأ من أرض "إسرائيل الكبرى"، فهل سيدركون ولو متأخرين مَن هو عدوّهم الحقيقي ويعيدون توجيه بوصلتهم من جديد، أم سيواصلون عنادهم ـ والعناد كفر ـ وتأخذهم الغزّة بالإثم عن سبق إصرار وترصّد، ويُغرقون أنفسهم بالسباحة بعكس تيّار التاريخ والسنن الإلهية الكونية، التي يعيها جيداً أسيادهم التلموديين من الصهاينة بمختلف إثنيّاتهم وقوميّاتهم وأعراقهم حتى العربية والإسلامية منها؟!
وقد صدق المتنبّي في وصف حالهم البائس حينما قال:
"مَن يَهُن يَسهُلِ الهَوانُ عَلَيهِ ما لِجُرحٍ بِمَيِّتٍ إيلامُ"