فريد عبد الوارث يكتب : مُنَاوراتّ "عَيِنّ جَالوُتّ" المصِرِيِة و جُنوُنّ شَمّشُونّ الصَهيِونيِ
تعددت الإشارات التي أرسلتها مصر إلى الكيان الصهيوني لردعه عن اجتياح مخافظة رفح الفلسطينية و تجاوز محور فيلادليفيا، لكن يبقى الإعلان العسكري عن تدريبات قتالية تحت إسم عين جالوت هو الأقوى و الأخطر، حيث أن تلك المعركة الفاصلة في التاريخ العربي و الإسلامي قد خاضها الجيش المصري خارج حدوده و تحديداً في فلسطين، و كأنه يُبلغ الجانب الإسرائيلي أن الأمر قد حُسم، فإن كانت الحرب فلتكن في داخل أراضي الكيان الغاصب على نفس سيناريو معركة عين جالوت.
فما أشبه اليوم بالبارحه، حيث لم تتعرض دولة الإسلام لأوقات عصيبة و عواصف منذرة و رياح مرعبة مثلما حدث خلال القرن السابع الهجري؛ حين دمّرت جيوش المغول بقيادة جنكيز خان حواضر الإسلام الكبرى في المشرق الإسلامي، و سفكت دماء المسلمين، و أتت على معالم الحضارة و المدنية، و لم تستطع قوة إسلامية أن توقف هذا الزحف الكاسح، و انهارت الجيوش الإسلامية و توالت هزائمها، و تتابع سقوط الدول والمدن الإسلامية كأوراق الشجر في موسم الخريف، و كأن التاريخ قد أعاد نفسه! فلم يتبقى من عواصم الشام عاصمة و لا جيش موحد و انظروا إلى جيش العراق و سوريا.
و حين تملك الغرور حده من التتار حتى ظنوا أنه ليس هناك أحد قادر حتى على الرد على رسائلهم وصلت رسل هولاكو إلى القاهرة تحمل خطابا تقطر كبرا و غطرسة، و يمتلئ بالتهديد و الوعيد، جاء فيه: “.. إنا جند الله في أرضه، خلقنا من سخطه، و سلطنا على من حل به غضبه، فلكم بجميع الأمصار معتبر، و عن عزمنا مزدجر، فاتعظوا بغيركم، و سلموا إلينا أمركم.. فنحن لا نرحم من بكى، و لا نرق لمن شكا.. فما لكم من سيوفنا خلاص و لا من أيدينا مناص، فخيولنا سوابق، و سيوفنا صواعق، و رماحنا خوارق.. فما كان من ردٍ أقوى مما قام به قطز حين قتل رسل المغول و أعلن الحرب عليهم و خرج لقتالهم خارج الحدود المصرية و لم ينتظر قدومهم إليه.
و تبقى مصر و جندها حائط الصد الأخير عن الأمة في لحظاتها الحالكة، ويبقى الأعداء كما هم بنفس الأهداف و الصفات و ان اختلفت المسميات، فالصهاينة أشد خطراً من التتار و أحقر طبعاً منهم، فما فعلوه في فلسطين عموماً و غزة خصوصاً يجعلهم في نفس سرب التتار بل أقذر.
فبعد مرور أكتر من أربع شهور على بدء العملية العسكرية الاسرائيلية على غزة
لم يصل أي طرف إلى غايته من الحرب و يواجه الكيان الصهيوني موقفاً شديد التعقيد و الصعوبة، خسائر بشرية و أزمات داخلية و وضع دولي سيئ جداً و قد يدفعها الجنون إلى اختيار ما فعله شمشون حين هدم المعبد على من فيه ليخسر الجميع!!
وليس أمام الصهاينة سوى المزيد من الضغط على المقاومة الفلسطينية و الشعب الأعزل عبر تنفيذ المجازر التي يراها العالم كله، لكن أخطر ما تقوم به إسرائيل على مستقبلها هو الضغط على مصر بملف التهجير و ما قد يترتب عليه صدام عسكري تعرف إسرائيل جيداً ان ثمنه غالي و أنها لن تقدر عليه.
أما مصر فقد حسمت أمرها منذ اليوم الأول للحرب وفق محددات الأمن القومي المصري برفضها الواضح لتهجير الفلسطينين إلى سيناء و وقوفها أمام محاولة تصفية القضية الفلسطينية، و استخدمت أدواتها الدبلوماسية و صولاً لإظهار القوة العسكرية و حشد قوات و آليات غير مسبوقة على حدود القطاع.
من جانبها، فقدت " حماس "كافة ادوات القوة باستثناء ملف الرهائن، و يعلم قادتها أن رفح بمثابة النهاية لهم للبقاء في المشهد الفلسطيني، مما جعلها تلعب بسياسة حافة الهاوية مثلها مثل إسرائيل.
و لا أعتقد ان ما تفعله إسرائيل و حماس سيدفع مصر للتنازل عن محددات أمنها القومي مهما حدث، و الكل يدرك أن القوة العسكرية المصرية تتحرك وفق معادلات شديدة التعقيد و المحاذير و الحسابات كما يعلم الجميع أنه إذا حدث تجاوز للخطوط المصرية الحمراء فلن يبقى في المنطقة حجر على حجر، ولن يكون أمام صانع القرار المصري سوى خيار" عين جالوت " حتى تضع الحرب أوزارها.