قصة تبّع والكعبة: الملك الذى كسا البيت الحرام

فى أزمنة غابرة قبل مولد النبى محمد صلى الله عليه وسلم كان هناك ملكٌ عظيم من مملكة حمير باليمن يُدعى أسعد أبو كرب المعروف بلقب تبّع وهو لقبٌ يُطلق على ملوك حمير العظام. كان تبّع رجلاً مهيبا قائدًا لجيشٍ جرّار يعبد الأوثان كما اعتاد قومه، وكانت له سطوةٌ تمتد عبر أرجاء الجزيرة العربية.
فى إحدى رحلاته العسكرية وبينما كان عائدًا إلى اليمن عبر طريق مكة مرّ تبّع بمنطقة بين عسفان وأمج. هناك اقترب منه نفرٌ من قبيلة هذيل بنوايا خبيثة وقالوا له: يا ملك حمير، إن بمكة بيتًا مليئًا بالكنوز، لؤلؤٌ وزبرجد وذهب وفضة لم يجرؤ ملكٌ قبله على الاقتراب منه! كانوا يعلمون فى قرارة أنفسهم أن من يعتدى على الكعبة المشرفة يُصاب بالهلاك فأرادوا استدراجه إلى حتفه.
أثار كلامهم فضول تبّع فقرر استكشاف هذا البيت الغامض. لكنه، قبل أن يُقدم على خطوة استشار حبرين يهوديين كانا برفقته، وهما عالمان حكيمان يملكان معرفةً عميقة بالديانات والتاريخ. نظر الحبران إليه بقلقٍ وقالا: يا ملك هذا بيت الله الحرام بيت يحميه الله بنفسه! إن أقدمتَ على الإساءة إليه، ستهلك أنت وجندك ثم نصحاه بأن يعظم هذا البيت، يطوف حوله ويقدم القرابين كما يفعل أهل مكة.استمع تبّع إلى كلامهما، وتحرك قلبه بشيءٍ من الرهبة والإجلال. وعندما وصل إلى مكة رأى الكعبة المشرفة بشموخها وسط الوادى. لم يكن بيتا عاديًا، بل كان ينبض بقدسية عجيبة. امتثل تبّع لنصيحة الحبرين، فطاف بالبيت نحر عنده القرابين وحلق رأسه تقربًا إلى الله. أقام فى مكة ستة أيام يطعم الناس ويسقيهم العسل، فى لفتةٍ كريمةٍ تظهر تواضعه.وذات ليلة رأى تبّع فى منامه رؤيا عجيبة: أن يكسو الكعبة ثوبًا يليق بجلالها. فبدأ بكسوتها بحصير النخيل الخشن، ثم ارتقى إلى المعافر اليمنية الفاخرة وأخيرًا كساها بأجود الأقمشة، الملاء والوصائل. وهكذا، أصبح تبّع أول من كسا الكعبة فى التاريخ حسب التراث الإسلامى. لم يكتفِ بذلك بل أوصى ولاة جرهم بحماية البيت وتطهيره وحرّم اقتراب الدماء أو الميتة أو الحائض منه وجعل له بابًا ومفتاحا ليبقى آمنًا.عندما عاد تبّع إلى اليمن كان قد تغير. لم يعد ذلك الملك الوثني، بل حمل في قلبه إيمانًا جديدًا تأثر به من الحبرين. دعا قومه من حمير إلى هذا الدين الجديد، لكنهم قاوموا وتشبثوا بأوثانهم. لتحسم الخلاف، قرروا تحكيم النار وهى عادة يمنية قديمة للفصل بين الحق والباطل. خرج الحميريون بأوثانهم، وحمل الحبران مصاحفهما وجلسوا عند مخرج النار. فإذا بالنار تلتهم الأوثان ومن يحملها بينما سلم الحبران ومصاحفهما! ذهل قوم تبّع وأدركوا صدق دينه، فبدأوا يتبعونه.ومهما كانت حقيقته فقد خلد التراث الإسلامى قصته كشاهدٍ على عظمة الكعبة وقداستها وبطلاً تحول من عبادة الأوثان إلى تعظيم بيت الله الحرام تاركًا إرثًا عظيمًا كأول من كساها وكرّمها.