عبدالحى عطوان يكتب :الاربعينية والقاضي والجلاد
دوى صوت الحاجب قائلا: محكمة!!
وقف الجميع انتباهًا لحظة دخول القاضي ووكيليه حتى جلوسهم على المنصة، ثم نودي على القضية رقم واحد وقفت سيدة بدت للحاضرين وكأنها ثلاثينية العمر فهى ممشوقة القوام ، تبدو عليها علامات الجمال الهادئ ،والملامح الجذابة، بينما كانت تعكس ملابسها قسوة الزمن وأنها قادمة من معركة مع فصوله فلا تستطيع ان تميز ما ترتديه إن كان شتويًا او صيفيًا
كان صوت القاضي مدويا بين جدران القاعة حينما سألها عن سبب رفعها لقضيتها أجابت أنا يا سيدي امرأة فى الأربعين من عمري تزوجته منذ عشرون عامًا حينما كان موظفًا بسيطًا على الدرجة الخامسة، ومرتبه لايزيد عن بضعة جنيهات، كرر القاضي سؤاله إذن : لماذا تريدين خلعه؟
تلفتت يمينًا ويسارًا حاولت أن تجفف دموعها المتناثرة حاولت أن تهرب من وجوه الجالسين بالقاعة أشاحت بعيناها نحو السقف وكأنه جاثم على أنفاسها تعلثمت قليلًا ثم نطقت قائلة : هل لي أن اطلب أن تكون الجلسة سرية ؟
اندهش القاضي كثيرًا من طلبها فهي قضية خلع عادية وعندما سألها عن المبرر كانت اجابتها: اريد أن أستر نفسي ولا أشعر بالعري أريد أن تظل صورتي وصورته مصانه أمام مجتمعٍ لا يرحم ، جلادًا قرر الادإنه قبل النطق بالحكم. دوى صوتها أعلى قائلة : سيدى الرئيس أنتَ لا ترى الوجه الآخر للناس تعودت أن تراهم من خلف الأوراق أو المستندات فدائمًا حكمك لصالح من يستطيع ان يستف صفحاته أكثر سواءً بالغش، أو الزور ،أو البهتان، دائما حكمك مبنيًا على ما استشعرته نفسك وهواك ،وقد يكون المظلوم أبعد ما يكون عن هواك وكثيرًا ما أوت السجون خلف قضبانها أبرياء .
اخلى القاضي القاعة من كل الحاضرين ، وطلب منها الحديث قالت سميرة : أنا يا سيدى امرأة ولدت وعشت كأي بنت فى أسرة ميسورة الحال، أكملت تعليمي الجامعي تزوجت من رجل لا أعرفه قيل مثلما يقال زواج صالونات، أنجبت ثلاثة فتيات ومنذ ولادتهم تبدل الحال هجرت الابتسامة شفتاه حاولت بكل الطرق إسعاده، لكنه حملني كل أحقاد العالم، استحل إهانتي وضربي وسبي أمام القريب والغريب اعطيته مئات الفرص كي يعود إلى صوابه، لكن كانت تصحبني خيبة الامل من إنسان ملأ الحقد والغل قلبه لمجرد أنه لقب ب(أبو البنات )صار غليظًا فظًا، جفت كل الكلمات الحانية من قاموسه، رفض أن أعمل ،قرر معاقبتي بالمال ، تسولت الأكل والشراب من الأهل والجيران ، بيدى امسِك أكثر من تقرير طبي لضربي ولم اشتكيه لكن الآن استحالت العشرة معه بعد زواجه من آخرى عندًا وغرورًا وتحجرُا ، وكأني المسئولة عن انجاب البنات، فبأي مجتمع نحن نعيش ؟ وبأي دين ندين ؟ وهل تزوجت لِأكون عبدة تضاف إلى أرقام العبيد ؟ أريد حريتي !
استمع اليها القاضى طويلًا دون أن يقاطعها فقد شعب بقهرها، وخيبة أملها، وظلمها ، ثم نطق حكمت المحكمة بإعطاء المدعية حريتها....
بصرخة مدوية انتفضت معترضةً ليس بهذا بعدلًا فأين كرامتي من مجتمع أدانني قبل حكمك؟