عبدالحى عطوان يكتب : عنوان بطاقته أبناً عاق !!
أستيقظ بعد عدد من السنوات الطويله، التى لا يعرف كيف مضت ولا كيف سارت، وقف أمام المرآة، أخذ مشاطه كانت ملقاه على الطرابيزة التى أمامه ليضعها فوق شعر رأسه، أنتابه الذهول عندما رائ ملامح ذاك الشخص المواجه له،لم يصدق أن هذا ما أصابه وأن تلك هى ملامحه، رفع إحدى يديه ليتأكد من أن تلك الصورة هى صورته، حرك حواجبه هز رأسه أغمض عيناه، تيقن بعد كل هذا أنها نسخته التى صار عليها بعد كل هذا العمر
ألقى بجسده على تلك الأريكة الموجودة بأحد أركان الصالة، التى بدت ألوانها باهته،وكأنها أجتازت إحدى المعارك الحربية أو لفحتها رياح شتويه باردة، تطلع إلى الألوان كان موقناً خلال رحلته، بأنه لن يستطيع طوال الوقت مجاراة ما بداخله من الآلام، وستأتى لحظة حينما ينهار ثباته، سيصرخ من كل أعماقه مثل الأطفال بما بنتابه،
كان دائماً يوقن لنفسه الداخلية بأن ما يمر به ليس حقيقياً، وأنما خيالاً برغم ضجيج الأصوات التى بداخله والتى أختلطت معاً وأنسابت كصنبور ماء ظل يسيل منسياً إناء الليل وأطراف النهار، فقد خاض معركة مع الزمن بين الدروب والأزقة يتنقل بين الفقر الذى يشاركه أنفاسه حتى طغا على ملامحه، وجعل من التجاعيد صورة ثابته على وجهة، وما بين حصوله على قطعة نقدية تعطى أنفراجه لاساريرهم لحظة تسلمهم إياها، أو لحظة قضاء حوائجهم، حتى لا يعيشون أحزانه التى عاشها منذ طفولته
أغرق فى الإضطراب والقلق وأنتابت أطرافه رعشة شديدة، حينما تذكر ذلك الوشاح الذى غطى وجهها عندما لفظت أنفاسها الأخيرة ، وخروج جثمانها بعدما لازمته عمراً طويلاً فقد كانت رقيقة القلب، حانية المشاعر،عطوفه، تهون عليه كل لحظات الضيق والفقر، فقد كانت دائماً ما تشد من وزره بكلماتها التى كانت ترددها وكأنها عصفور تغرد لحناً فتنثر بذور السعادة بكل أرجاء المكان "غدا سيحمل الله كل الخير لنا ولأولادنا ..دع إيمانك بالله وكن حافظاً لأمره.. إن سكت سكوتاً سيأتى الفرج من باب آخر
أغلق عينيه فقد أراد أن لا يصدق أنه قطع كل هذة المسافة فى الواقع، زاعما لنفسه أن ما ينتابه خطاه فحسب داخل رأسه فى غضون الحلم، نظر إلى صورتها المعلقه بجوار باب الغرفة الداخلية، فإنكسر الشرود الذى جعل البصر زائغاً فأحيانا تسبق الصور الحكايات، وأحيانا تتبدل أوضاعهما هى المرآة دون طيفها، أو الصوت دون صداه، لذا عاش زمناً متلبساً بين الماضى والحاضر والمجهول فقد ألقى به القارب بين سطور الحكايات وشواطئ تتناقلها الأمواج عنوان روايته عاش الفقر بصوره وسيموت وحيداً دون أن يدفن أحداً جثمانه
ببساطه والعهدة على الراوى ماتت زوجته، وتركه الإبن الوحيد، ليعيش ميتاً بين حوائط صماء، ومرض يتداوى بلا طبيب، وعلاج لم يستطع شراؤه، وعمراً انقضى وضاع، فقد أصبح كهل عجوز يبكى ليل نهار، على أبناً ماتت إنسانيته وتناسي كم من مره طار به على الأطباء وكم أنفق على تعليمه، فقد أغوته فتاة خيارته بينها وبين أباه، فأختار أن يكون يتيماً مثله مثل الآلاف من جيله لتكتب فى خانة بطاقته أبناً عاق !!!!