عبدالحى عطوان يكتب: أنتبهوا قد يكون لهؤلاء حياة بعد الإنتحار !!
الصدفة وحدها التى قادتنى عند نهاية يوم، بدأت شمسه تذوى، تاركه وراءها لهيباً حارقاً، ونوراً برتقالياً باهتاً، يهوى أى فوتغرافى أن يلتقط له عدة صور مهما بلغت درجة براءته، فالمنظر أشبه بلوحة أبدع الفنان فى رسمها، تحكى بداخلها كل حكايات،
بدا فى العقد الرابع من عمره، شاحب اللون متقزماً، وكأنه غادر فصامه الجسدى، يرتدى معطفاً تبدو عليه علامات الرثة، ونظارة شمسية يحاول أن يخفى خلفها ملامحه، ضرب الزمن جسده حتى تحول إلى ما يشبه الهيكل العظمى، وكأنه قادم من بين القبور، بأستثناء حذائه الذى تلون باللون البنى المحمر، يسير خلفه رهطاً من الكلاب الضاله،
ولعل تكوينه الجسمانى وشيخوخته المبكره، وما أصابه من وهن وطريقة إنحناءة ظهره، التى أحسست منها أنه قارب من الهرم، فلا يكاد يخطو حتى ينزلق، جعلتنى أهرول إليه دون تردد، فقد شعرت بأنه يريد التخفى بعيداً، وكأن حياته جريمة كاملة أرتكبها ضد نفسه، وأهله، فأراد أن يخيفيها عن كل البشر،
ولكى اواسي فشلى السابق فكلما رأيته مضى دون كلمات، صممت لا أفوت اليوم فرصة الدهشة، والفضول، التى أصابتني أندلعت فى إتجاهه مسرعاً، حتى جازفت بالأقتراب من وجهه، الذى سارت فصول العمر تضربه، حتى بدت عروقه واضحه وكأنها خطوط خارج تكوينات جلده المتراخى، فالحكاية الغامضه لهذا الوجه الشائخ، كادت أن تطير بصوابي، نظرت إليه بعمق أتفحصه مستغرباً، كيف هرب منه الشباب، وكيف زحفت عنه القوة، وكيف زاغت عيناه وتلونا بالأحمرار والضعف مهما حاول أخفائهم خلف زجاج نظارته السميكة،
وعندما وجدنى أراقبه بأهتمام بادرنى قائلاً لا أريد أن أستيقظ، دعنى وشأنى! أقتربت أكثر فى محاوله أن تلتقط طبلة أذنى، ما يهمهم به من كلمات غير مفهومه، فبدت أنفاسه متسارعه، وكأنها نحيب يمزق حنايا القلب ،نظر إلى منكسراً وكأنه يعاقب نفسه عن حاله، تفوه بصوت أصابه الوهن، لدى حدس مشئوم بأننى على أعتاب الموت ،اليوم أشعر أننى لا أمشي فى الشارع الحقيقي الذى طالما أرتدته كى أعود إلى منزلى الذى تاه عنوانه وضاعت معالمه، حتى ما عدت أذكر صورتى التى أنتزعت من الإطار المعلق على الجدار يمين الباب
قصتى تكاد تكون فصولها أنتهت،لم أنتبه طيلة رحلة إدمانى إلى تلك اللحظه التى فتحت عينى لأجدنى مستلقياً داخل غرفة صغيرة فوق سرير مستشفى كانت أنابيب التنفس تخرج من فتحتى أنفي والأبر مغروسة فى أوردة ساعدى، وعبارات الأطباء تشير الى تأخر الحالة تم مالبس علاجى حتى تم طردى، فلا أحد يسأل عنى، أو يدفع فواتيرى، فأنا من قتلنى الإدمان الذى ألقيت بنفسي فى بئره، أشعر بالألم يضرب كل جسدى،الرعشة ،والسيلان، وألم العينان، والصداع يكاد يفتك بكل جزء فى جسمى، فقد أدمنت الشابو والهيروين يئست من حياتى، فعشت تائهاً بالشوارع، هجرتنى الزوجه، وطردنى الأبناء، فقد صرت عاراً عليهم واليوم أخذت قرارى ووقعت على شهادة وفاتى، فالموت يطاردنى منذ اللحظة الأولى للأدمان فما عادت للحياة قيمة بعدما ضاع كل شئ، وأصبحت جرباً أو عويلاً الكل يهرب منه،
شددت على يديه،لم أفكر فى نهره أو عقابه، فقد يكون بأى طريقه أغواه الشيطان، قررت مساندته، أخذته إلى دار رعاية الإدمان تابعته وخطوات علاجه،حتى جاءت اللحظه التى خرج فيها معافى، سرنا تبادلنا أطراف الحديث عن ما بعد أنسحاب المخدر ،والعلاج النفسى، وافق فرحاً متفائلاً، طلب منى لا أتركه للضياع فإنه يريد الحياة ، لحظتها كتبت على صفحتى بدعمكم وبالمسانده والعلاج " قد تكون هناك حياة لهؤلاء بعد الإنتحار "