صفوت عمران يكتب: إصلاح المعارضة يسبق إصلاح السلطة .. الفاسد لا يصحح أوضاع خاطئة!!
شهدت جلسات الحوار الوطني - اختلفت أو اتفقت على أهميته - مناقشة مجموعة من القضايا السياسية ذات الأهمية، يقود التعاطي معها بإيجابية - إذا خلصت النوايا وصدقت النتائج - إلى إصلاح سياسي مطلوب ولا غنى عنه، للعبور نحو مستقبل يستحقه شعبنا.
ويعد ملف الأحزاب السياسية شديد الأهمية بالنسبة للدولة المصرية "سلطة ومعارضة" خاصة عند الحديث عن الإصلاح، فقد خلصت الدرسات المتنوعة إلى أن الإصلاح السياسي لا بد أن يسبق الإصلاح الإقتصادي، ولا إصلاح سياسي بدون إصلاح العمل الحزبي وضبط الاوضاع الحزبية بداية من قانون الاحزاب السياسية مرورا بالمناخ السياسي وصولاً إلى الممارسة السياسية داخل الأحزاب وخارجها...
ورغم ما تعانيه مصر من عثرات إقتصادية واضحة، وانشغال معظم أبناء شعبنا بـ«الغلاء وارتفاع أسعار جميع السلع وزيادة الديون الداخلية والخارجية، وانخفاض قيمة العملة الوطنية، وتراجع مستويات الدخول وسوء مستوى الخدمات العامة»، إلا أن الجميع عليهم أن يدركوا أن علاج كل ذلك يستوجب إصلاحات سياسية اولاً، فالإصلاح السياسي هو من يقود الإصلاح الاقتصادي دائما لتحقيق أهداف الشعوب، وليس كما يدعي البعض مراراً وتكراراً، فـ«الأزمات السياسية هي من تصنع الأزمات الاقتصادية وليس العكس»...
وبنظره سريعة إلى الواقع المصري سوف نجد أن الكثيرين ذهبوا من أجل إصلاح السلطة وتصويب الأسهم نحو اخطاءها وخطاياها - وهو أمر منطقي لحد بعيد تفعله المعارضة .. أي معارضة .. ونشاهده في كل أنحاء العالم- لكن في ذات الوقت لماذا لا يفكر هؤلاء، للحظات قليلة، في إصلاح أنفسهم؟! .. أي المعارضة ذاتها .. فنحن ببساطة كما نحتاج إلى إصلاح السلطة، نحتاج أيضاً إصلاح من يطلقون على أنفسهم معارضة، فلا يليق أن تنهى عن فعل وتأتيه، تنتقد تصرف سئ لدى صانع القرار، ثم ترتكب نفس الأمر، وكأن كونك «معارض» ... «فأنت فوق مستوى النقد، ولا يأتيك الباطل من بين يديك»!!!...
إن الأحزاب السياسية في مصر تحولت في الكثير منها إلى بوتيكات لبيع المواقف السياسية، وبعضها تم رهنه لصالح منظمات ومؤسسات أجنبية، وفريق منها أصبح «شقق مفروشة» لأصحابها فقط، وبعضها تحول إلى ما يشبه الشركات التجارية والكثير منها عبارة عن تجمعات أسرية وعائلية.. وهو خطر لو تعلمون عظيم ...
الأعزاء قادة ورؤساء الأحزاب السياسية.. مثلما نطالب بالتداول السلمي للسلطة داخل مؤسسات الدولة، فإننا نطالب بالتداول السلمي لمنصب رؤساء الأحزاب السياسية وجميع مواقعها القيادية.. ومثلما نطالب بمنع توريث المناصب القيادية والتنفيذية داخل مؤسسات الدولة، فإننا نطالب بعدم توريث المواقع القيادية داخل الأحزاب السياسية للأبناء والزوجات والاقارب والأهل والعشيرة .. فالواقع أن لدينا رؤساء أحزاب على رأس أحزابهم منذ 10 و15 و20 سنة دون تغيير .. بل كان لدينا رؤساء أحزاب ظلوا على رأس أحزابهم حتى فارقوا الحياة، وآخرين ينون تكرار البقاء على رأس أحزابهم حتى يأتيهم أمر الله .. ولدينا رؤساء أحزاب احتلوا المواقع القيادية هم وأسرهم .. فـ«نجد فلان رئيسا لحزب ما وفي ذات الوقت نجد أبن نفس الشخص أميناً لشباب الحزب» .. «ونجد أخر يتولى منصب رئيس الحزب وابنته أمينة المرأة» .. «وثالثاً رئيسا لحزب وزوجته أمينة المرأة وابنه أميناً للشباب» .. بل أن هناك رؤساء أحزاب وزعوا مواقعها القيادية للعائلة والأهل والعشيرة.. ورئيس حزب حول حزبه إلى شركة يديرها كيفما يشاء حيث يُبقي على هذا ويفصل هذا دون حسيب أو رقيب، بل نجد بعض رؤساء الأحزاب يمنحون رواتب شهرية لقيادات أحزابهم بعدما تحولوا إلى موظفين مقابل أجر تحت قاعدة: «المرتب مقابل الولاء».. في سياق متصل، أصبح التبرع للحزب بمبالغ مالية في الكثير من الأحيان وسيلة لضمان مقعد في البرلمان ضمن القوائم الانتخابية بدلاً من المنافسة على أصوات الناخبين في المقاعد الفردية غير مضمونة النتائج.
عزيزي القارئ.. بمثل هذه الممارسات وغيرها .. لا تستغرب عندما تجد نفسك أمام مجلس نواب عائلي بـ«الحجم الكومبو».. ولا تستغرب عندما تجد «فلان وابنه نواب في نفس المجلس .. وفلان وابنته نواب أيضاً .. وفلان وأخيه .. وفلان اقتنص 4 مقاعد نيابية للعائلة.. وفلان حصل على 8 مقاعد في مجلسي النواب والشيوخ لعائلته واصهارهم.. وفلان جاء بشقيقته، واخر جاء بزوجته من المنزل إلى البرلمان مباشرة دون أن تعرف للشارع السياسي والعمل العام طريق .. بل الكثير أصبحوا نواب على دوائر لا يعرفونها .. ومحافظات لم يزرها يوماً...».
أيها السادة .. إذا كنا نتحدث عن إصلاح السلطة فيجب علينا أيضا الحديث بقوة على إصلاح المعارضة .. فلن يتم تقويم السلطة بمعارضة معوجة .. ولن تخاف السلطة من معارضة على رأسها عشرات البطحات .. لذا دعونا نتحدث بصراحة ووضوح إذا كنا نريد إصلاح الشأن العام والوصول بهذا الوطن إلى بر الأمان ومساعدته على التقدم والانطلاق نحو مستقبل يستحقه أبناء شعبنا العظيم .. مستقبل تستحقه مصر أرض الكنانة ودرة التاج وصاحبة التاريخ المجيد وذات الإمكانيات الكبيرة.
هذا وغيره يستوجب تعزيز العمل الحزبي، وهذا لن يتحقق إلا من خلال ضبط اداء الأحزاب السياسية، لذا نحتاج رؤية واضحة لتخفيض عدد الاحزاب للتخلص من البوتيكات الحزبية دون تجني أو تجاوز عبر ما يمكن تسميته بـ«شروط بقاء الاحزاب وإستمراها» حيث يتم مراجعة موقف الاحزاب القائمة ومدي إلتزامها بشروط الانشاء، وأن أي حزب لا يوجد به عضوية عاملة 5000 عضو وفقاً للقانون الحالي يتم حله، وعدم قبول الدولة بما يعرف «بتستيف الاوراق الوهمية» علاوة علي إعادة النظر فيما يعرف بـ«إلانشاء بالإخطار»، ووضع شروط إضافية لإنشاء أي حزب سياسي جديد، علاوة علي تجميد أي حزب سياسي ليس له تمثيل في البرلمان أو المجالس المحلية لدورتين متتاليتين، ومنح جميع الاحزاب القائمة عام واحد لتوفيق أوضاعها، حيث أن ذلك سوف يعزز من عملية إندماج الاحزاب السياسية اختيارياً وبشكل طوعي حتى يكون لدينا احزاب قوية تعبر عن مختلف التيارات السياسية، ويتم التخلص من هذا الكم الكبير من الاحزاب الذي وصل إلى 102 حزباً أو يزيد، والابقاء علي من يستطيع توفيق اوضاعه، فالدولة المصرية ليست في حاجة إلى هذا العدد الهائل من الاحزاب الكرتونية، والوهمية والتي اصبحت وسيلة للشو الاعلامي والابتزاز السياسي، أو ما يعرف بــ"ظاهرة احزاب الشقق السكنية"، وانه يجب ان تتحرك الدولة في سبيل وضع استراتجيات وخطط لانتهاء تلك السيولة الحزبية والتخلص من سماسرة السياسة الذين حصلوا علي توكيلات رسمية من الدولة دون وجه حق وبلا تأثير حقيقي مفيد للوطن أو المواطن.. فكما نرفض الدعم الغير منطقي لـ"الأحزاب المولودة قيصرياً"، وفرضها فرضا على الشعب.. نرفض أيضاً تلك الأحزاب التي أصبحت «دكاكين للسبوبة وبوتيكات الخارج» وأيضاً نرفض «الاأحزاب الكرتونية ومنابر الشو الإعلامي».
في المقابل .. فإن الأحزاب تدفع فاتورة إصدار قوانيين انتخابات غير منصفة لذا كان إصدار قانون الانتخابات بالقائمة المطلقة وتوزيع الدوائر بالشكل الذي تم في انتخابات 2020 سواء للقائمة أو الفردي، ظالماً للكثير من الأحزاب السياسية، وجعل المال يكاد يكون الفيصل الوحيد لاختيار نواب البرلمان، وتسبب في خروج 82 حزباً سياسياً «صفر اليدين» في الإنتخابات البرلمانية الأخيرة إلى جانب ممارسات سلبية اخرى، لذا فتح المجال العام أمام الاحزاب السياسية يستوجب إلغاء انتخابات القائمة المطلقة نهائياً، وعقد الانتخابات مناصفة بين الفردي والقائمة النسبية، أو بالنظام الفردي بالكامل والعودة لدوائر 2005 «مقعدين لكل دائرة»، حتى تستطيع جميع الاحزاب تقديم كوادرها للحصول على ثقة الناخبين في عموم الجمهورية، وحتى لا يقتصر خوض الانتخابات على عدد محدود من الأحزاب التي تمتلك سلاح المال والسلطة.
في عمق المشهد:
• مطالبت البعض داخل الحوار الوطني بزيادة عدد مقاعد البرلمان، وكأن تلك الزيادة سوف تصب في مصلحة مرشحي المعارضة وحدهم، كنوع من «الترضية السياسية» .. فإننا نقول: «هذا هراء ليس هنا محله» .. إن عدد مقاعد البرلمان أمر مهم مناقشته بـ«الزيادة والتخفيض» شريطة أن تتم الانتخابات في إطار سليم، دون تزوير، ودون تزييف إرادة الناخبين.. فإذا لم تجرى الانتخابات بشكل سليم، لن يفرق إذا كان عدد النواب 500 أو 1000.. فالنتيجة واحدة.. ومعروفة مقدماً.
• ما يسمى بـ«أحزاب المعارضة» مع وجود الانتخابات بالقائمة النسبية متصورة أن ذلك قد يمنحها فرصة أكبر للتمثيل النيابي والمشاركة، وهنا يبقى السؤال: هل تلك الأحزاب تمتلك كفاءات يمكن أن تخوض من خلالها الانتخابات؟!.. هل تلك الأحزاب لن تبيع رأس القوائم لمن يدفع؟!.
• قلت واكرر .. النظام الفردي هو الأنسب للناخبين، حيث يختار الناخب من بين مرشحين يعرفهم بالفعل ويمكنه محاسبتهم، بعكس انتخابات القائمة المطلقة ينتخب نواب لا يعرفهم، ولن يعرفهم، وكثير منهم لن يقابلهم في حياته.. نواب حصلوا على مواقعهم مقابل المال في أغلب الأحيان، وهو الأمر الذي يتكرر في انتخابات القائمة النسبية حيث ينتخب مرشحيين ينتمون لأحزاب تبيع المقاعد في رأس القوائم لمن يدفع في أغلب الأحيان.
• نطالب بإلغاء التقسيم الفئوي لمقاعد البرلمان وأن يتم إنتخاب النواب بناء على الكفاءة والشعبية بعيداً عن الفئوية والمحاصصة، فهذا خطر لو تعلمون عظيم.
• تخصيص 25% من مقاعد البرلمان للمرأة وفقا للمادة 102 في الدستور منذ تعديلات 2019، أمر يتناقض مع المادة 53 من الدستور التي تنص على أن: «المواطنون لدي القانون سواء، وهم متساوون في الحقوق والحريات والواجبات العامة، لا تمييز بينهم بسبب الدين، أو العقيدة، أو الجنس، أو الأصل، أو اللون، أو اللغة، أو الإعاقة، أو المستوي الاجتماعي، أو الانتماء السياسي أو الجغرافي»، كما أنها تتناقض مع المساواة بين المرأة والرجل التي أقرتها المادة 11 من الدستور التي تنص على: «تكفل الدولة تحقيق المساواة بين المرأة والرجل في جميع الحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية»، لهذا وغيره لا بد من ضبط هذه المادة قبل الحديث عن عدد مقاعد البرلمان والنظام الانتخابي الأمثل حتى لو استوجب الأمر تعديلاً دستورياً أو الذهاب إلى المحكمة الدستورية العليا لاستصدار حكماً ببطلان تلك المادة.
• مطالب البعض بزيادة مقاعد البرلمان إلى 800 بدلاً من 596 بحجة زيادة عدد السكان، وإعطاء فرصة لتمثيل عدد أكبر من الكفاءات السياسية، وأيضاً توسيع قاعدة خدمة الشعب في مختلف الدوائر عن طريق عدد أكبر من النواب .. قول حق يراد به باطل .. اتركوا الشعب ينتخب برلمان حقيقي ووقتها سوف تشاهدون 596 نائب من طراز رفيع، قادرون على خدمة شعبنا والتعبير عنه بكفاءة.. المشكلة في جودة النواب وأدائهم، وليست في العدد.
• الأصل في التمثيل النيابي أن يتفرغ النائب لدوره البرلماني، ويترك أعماله الخاصة طوال فترة تواجده في البرلمان حتى يكون كل وقته لتمثيل أبناء الشعب، ومنع تضارب المصالح.. فقد شهد برلمان 2015 ثم برلمان 2020 حالات عديدة من تضارب المصالح بسبب عدم تفرغ النواب لأداء دورهم النيابي
على سبيل المثال لا الحصر .. في برلمان 2015 كان فرج عامر رئيس لجنة الشباب والرياضة وفي نفس الوقت رئيس نادي سموحة فمن يحاسب من؟!.. كان مرتضى منصور عضو لجنة الشباب والرياضة وفي نفس الوقت رئيس نادي الزمالك، فمن يحاسب من؟! .. كان رجل الأعمال محمد السويدي رئيس لجنة الصناعة وهو في نفس الوقت أحد أكبر رجال الصناعة فمن يحاسب من؟!
وفي برلمان 2020 على سبيل المثال لا الحصر .. حازم امام عضو لجنة الشباب والرياضة هو نفسه عضو مجلس إدارة اتحاد الكرة فمن يحاسب من؟! .. درية شرف الدين رئيسة لجنة الثقافة والإعلام داخل البرلمان وهي في نفس الوقت ذات موقع قيادي في ماسبيرو فمن يحاسب من؟! .. رجل الأعمال محمد ابوالعنيين وكيل مجلس النواب، فمن يراقب من ومن يحاسب من؟!
لهذا وغيره فإننا نطالب بضرورة تفرغ عضو مجلس النواب لأداء دوره الرقابي والتشريعي، ومنع تضارب المصالح داخل البرلمان.
#أخيراً عزيزي المواطن .. علينا الإعتراف أن العمل الحزبي في مصر خاصة بعد 2011، لم يعالج اخطاء ما قبل ثورة يناير السياسية، بل أضاف لها مشكلات جديدة، تمثلت في حالة السيولة الحزبية التي شهدتها مصر بعد ثورتي 25 يناير، و30 يونيه حيث وصل عدد الاحزاب إلى 102 حزباً مقابل 24 حزباً قبل الثورة، علاوة أن العمل الحزبي بات متاح لبعض الأحزاب دون غيرها، مما أربك المشهد السياسي وبات لدينا أحزاب يتم وضعها في «بيئة معقمة» ومنحها كل «الرفاهية السياسية»، وأحزاب «يمنع عنها الاكسجين» فـ«باتت تعاني من عدم قدرتها على العمل والنجاح وتحقيق الغاية من وجودها»، هذا وغيره مضر بالوطن ويستوجب مراجعة شاملة من أجل مستقبل مصر قولاً وفعلاً وليس قولاً فقط.
#عزيزي صانع القرار .. لا بد أن تكون الدولة واجهزتها على مسافة واحدة من جميع الأحزاب .. ولا يجب أن تسمح الدولة بالنشاط الحزبي داخل الجامعات لبعض الأحزاب دون غيرها، أما تمنع الجميع أو تسمح للجميع، ونفس الأمر فيما يتعلق بأنشطة الاحزاب في مراكز الشباب والأندية الرياضية وإقامة وتنظيم دوريات كرة القدم وغيرها من الالعاب، وأن يكون تنظيم وإقامة المؤتمرات العامة في الشارع المصرى مباحة لجميع الاحزاب، والسماح لجميع الاحزاب بتعليق اللافتات الدعائية لأفكار الحزب ومبادئه وفعالياته في الشوارع والميادين طوال الوقت لتعريف الجماهير بها، وألا يكون ذلك موسمياً أيام الانتخابات فقط.. ولا بد من إدراك أن جميع الأحزاب وطنية وتعمل لصالح الوطن وأن أي حزب يخالف ذلك يحاسب بالقانون مع إلزام جميع الجهات الحكومية ووسائل الإعلام الوطنية بالتعامل مع مختلف الأحزاب على قدم المساواة، ومنع الممارسات السياسية السلبية بقوة وحزم ومنها تقديم الرشاوي الانتخابية وشراء اصوات الناخبين وتقديم مساعدات مالية وعينية بهدف التأثير على رأي المواطن وقراره، ولا بد من وضع عقوبات قاسية لمثل هذه التصرفات.