عبدالحى عطوان يكتب : الأقدار ما بين مجتمع جاهل ولقب وصمة عار !
كان النهار قد حل، والشمس قد أرخت ستائرها الذهبية على كل شئ ،شعرت ببرد خفيف ينتابها،فالنعاس لم يقترب من جفونها طوال الليل، فقد أمضته مع ذكريات سنوات طويلة مضت، مازالت تذكر أدق تفاصيلها وكأنها الآن، ذلك اللقاء الأول حينما ألتقيا وقتما كانت ضفائر خصلات شعرها مازلت تزينهم تلك الوردة الحمراء التى أعتادت أن تربطهما بها، تذكرت حينما وقف طويلاً محدقاً الى عينيها، حتى أدرات رأسها بعيداً خجلاً، وقد بادرها بذلك السؤال الذى أثار دهشتها فهى لم تراه ولم تعرفه سوى من لحظات قليلة منذ جلس مع والدها، هل ستتخليين عن كل شئ من أجلى، أحست برغبة جامحة فى الهروب، جالت عيناها بعيداً وهو يركض خلفها وبجوارها يطاردها بنظراته ، يهمس إليها بصوت خافت حتى رأت فيه حلماً طال أنتظاره.
حل الظلام الموعود، لكن الليلة ليست مثل كل الليالى الماضيه، فالأضواء تتلألأ فى سماء غاب عنها القمر، أخذها عقلها إلى عالم لم تعرفه بعد ، بدأ الخوف يتسلل إليها قليلاً، هل تقبله زوجاً وتغادر تلك المدينة الصاخبة إلى صعيد لم تسمع عنه سوى حكايات المسلسلات وشهرته الثأر وبركان الدم ، هل تملك شجاعة التغيير وتقبله، لتنتهى معه معاناة الوحدة التى أغرقتها فى الظنون لسنوات ،عاودتها الرجفه التى أصابتها كثيراً ، راحت تذكر أشباح الطفولة التى تتقافز أمام عينيها، وصل بها التفكير لدرجة لم تتمالك هدوئها، فقد تمكن منها الخوف، والتردد، وصعوبة إتخاذ القرار.
أخذها عقلها يميناً ويساراً حتى نجحت فى أجتذاب أصغاء نفسها إلى حديثها، وكانت الموافقة خيارها الوحيد ،ومن المؤكد أنها تملك موهبة الإقناع ،أعلنت قبولها وسريعاً تم الزواج والإنتقال إلى بيئة غريبه عن طقوسها وأحلامها، منزل قروى كبير تديره تلك السيدة العجوز ، التى تحكم كل شئ وكأنها مملكة وهى تملك فقط اللجام، حاولت فرض أحترامها على الجميع منذ اللحظة الأولى خبأت مشاعرها تجاه زوجها، حتى لا تفتعل معها المشاكل، بينما كانت تفضحها تلك اللهفة التى فى عينيها عند لقائه عائداً من عمله، حاولت أسعاده بكل الطرق تحملت فوق طاقتها، فقد كانت تخشى الأخطار و المجازفة بالفشل ومواجهة الوهم والأستسلام وخيبة الأنكسار ،
مرت الأيام الأولى سريعاً بحلوها ومرها سنوات لم تري شوارع مدينتها التى عشقتها، والتى حملت معها أجمل الذكريات، أيام المراهقة حينما كانت تحلم بفارس آسر يعبر الجبال والآودية بحثاً عن صاحبة الحذاء الزجاجى، ليوقظ بقبلته الجميلة ذلك العشق النائم بين الوجدان ، كانت تكرس كل وقتها بنفس راضيه وقناعة لخدمة الأهل والأحفاد، لا تخلد للنوم إلا بعد الإنتهاء من كل شئ وأخذ الأذن بالأنصراف
حتى كانت تلك الليلة الموعودة بعد ثلاثة أعوام من دخولها ذلك الدار ، تلك الليلة التى حملت إليها هماً والماً وكسرة ،حينما طرقت بابها ذلك العجوز وقالت لها بصوت أجش أبنى سوف يتزوج قريباً فأنت لم تنجبين الوريث بعد، سقطت لحظتها على فراشها دون أن تنطق بحديثاً، لاذت بالصمت طويلاً ،حتى خاطبت يوماً نفسها بشئ من الحزن المغلف بالدعابة، فلقاء فارس الأحلام أمر لا وجود له سوى فى الحكايات، أنتباها شعور مرعب وعدد من التساؤلات! ما ذنبى إذ لم تكن هناك إرادة الله فى الأنجاب؟
ظلت أيام ما بين الصمت المدقع والتفكير القابع خلفه الإختيار، حتى انتفضت واقفة ونظرت إلى تلك المرآه الموجوده فوق تسريحتها التى لازمتها منذ قدومها، وتذكرت جلوسه بجوارها حينما كان يطارحها الغرام، وهمست لنفسها هل هذا الرجل الذى أحتضنها كثيراً شكل يوماً جزءًا منها أو شكلت جزءًا منه ؟هل كان العناق للأحتواء وللأمان أما أنها غريزة البشر ؟ صرخت من داخلها ، يا الله أعنى على القرار، أكمل أم أعود بذلك اللقب الذى مازال ينظر إليه المجتمع الجاهل بأنه وصمة عار؟ أتحمل عذابات السنين أم يطير العمر بين دوائر المحاكم ومكاتب المحامين ؟
ويبقي السؤال ما ذنب تلك المرأة لمجتمع جاهل يرى فى لقب مطلقة وصمة عار إذا كانت هذة هى الأقدار