18:10 | 23 يوليو 2019

القصر الملعون

8:49pm 07/12/22
قصر البارون
كتبت/ مرفت رضوان

 


يعتبر قصر البارون من أهم القصور الأثرية في مصر. لكنه أُهمل لسنوات طويلة بعد وفاة مالكه وبانيه البارون إدوارد إمبان  وتحول هذا القصر المهجور والمنتصب في منطقة صحراوية إلى أحد القصور الآتية من الحكايات والأساطير، ونُسجت حوله الكثير من القصص التي تروي أحداثاً عن الأشباح والأرواح والجنّ الذين يسكونون قصر البارون، فصار معروفاً بقصر الرعب. 

ظل قصر البارون مهجوراً ومسرحاً لأغرب القصص ومخيفاً للكثيرين، إلى أن قررت الحكومة المصرية ترميمه وتحويله إلى معلم أثري.

ولكن، ما هي قصة قصر البارون؟ ولماذا قرر البارون البلجيكي إدوارد إمبان، بناءه في القاهرة وفي تلك المنطقة الصحراوية المعزولة آنذاك؟ قبل الدخول في تلك التفاصيل لا بدّ من معرفة بعض المعلومات عن البارون شخصياً.

هو إدوارد لويس جوزيف، البارون إمبان   كان مهندساً ولونياً بلجيكياً، ورجل أعمال، وممولاً وصناعياً، بالإضافة إلى أنه أحد هواة المولعين بالآثار المصرية. 

وُلِد إمبان في بلويل سبتمبر من العام 1852. كان والده فرانسوا جوليان إمبان مدرساً، ووالدته هي كاثرين إمبان

خلال تسعينيات القرن الـ19، توسعت مجموعة شركات Empain بشكل كبير، إذ قامت ببناء خطوط ترام كهربائية في مدن بأوروبا وروسيا والصين والكونغو البلجيكية والقاهرة بمصر. 

رغبة منه في الاستقلال أيضاً عن منتجي الكهرباء، شارك إمبان في تشكيل عدد من شركات الكهرباء لتشغيل مشاريعه. 

جنرال وبارون
خلال الحرب العالمية الأولى، حصل على رتبة جنرال ومدير إنتاج الأسلحة في باريس ولوهافر  للجيش البلجيكي.

حصل إمبان، الذي أنشأ أيضاً مترو باريس، على لقب البارون من الملك البلجيكي ليوبولد الثاني تكريماً لإنجازاته.
توفي في مدينة ولويه  ببلجيكا، ودفن في بازيليك سيدة هليوبوليس (كنيسة نوتردام دو هيليوبوليس) في مصر. بناءً على وصيته.

لم تبدأ علاقة البارون إمبان مع مصر ببناء قصره، بل كان بناء قصر البارون انعكاساً للإعجاب والتعلق الشديدين بمصر وتاريخها وحضارتها، وبمثابة إعلان البارون عن انتمائه إلى تلك الحضارة، وهو المولع بالحضارات الشرقية عامةً 
وصل البارون إدوارد إمبان إلى مصر آتياً من الهند، في كانون الثاني/يناير من العام 1904، بهدف إنقاذ أحد مشاريع شركته، وهو إنشاء خط سكة حديد يربط المنصورة (على نهر النيل) بالمطرية (على الجانب البعيد من بحيرة المنزلة من بورسعيد).

مدينة هيليوبوليس
وكان حصل إمبان في العام 1894، على امتياز إنشاء أول شبكة ترام عامة في القاهرة. هذا الإمتياز، سيكون لاحقاً، فاتحة مشروعه العقاري الضخم على بعد 10 كيلومترات شمال شرق وسط القاهرة: مدينة هيليوبوليس (مصر الجديدة)، وهو اسم يوناني يعني "مدينة الشمس".
بوغوص نوبار (1851-1930)، نجل أول رئيس وزراء مصري نوبار باشا، 2500 هكتار من الصحراء لبناء هليوبوليس، والتي تصورها إمبان كمدينة حدائق خصبة وسط القاهرة

، قصة إنشاء مدينة هليوبوليس،  إنها "بدأت بالفعل في ستينيات القرن الـ19، وكان الخديوي إسماعيل باشا (الذي حكم مصر بين عامي 1863 و 1879) مفتوناً بمدينة باريس الحديثة، فحلم الخديوي بتحويل القاهرة إلى باريس على النيل".
في العام 1900، "نجح الخديوي في تحويل القاهرة التاريخية إلى منطقة جديدة، على الطراز الغربي من خلال بناء دار أوبرا وفنادق وبنوك ومتاجر متعددة الأقسام". مع تحديث القاهرة وازدهارها "تجاوزت أسعار الأراضي فيها تلك الموجودة في بروكسل وباريس، وهكذا اضطر إمبان لشراء أراض بأسعار منخفضة في الصحراء لبناء مدينة هيليوبوليس" وقصر البارون. 
ابتداءً من العام 1906، شرعت شركة واحات هليوبوليس، التي أنشأها البارون في بناء مدينة مصر الجديدة الجديدة، في الصحراء على بعد 10 كيلومترات من وسط القاهرة. 

تم تصميمها لتكون "مدينة الرفاهية والترفيه"، مع شوارع واسعة ومجهزة بجميع وسائل الراحة والبنية التحتية اللازمة؛ المياه والصرف الصحي والكهرباء، والمرافق الفندقية مثل فندق هليوبوليس بالاس ومنزل هليوبوليس، والمرافق الترفيهية بما في ذلك ملعب للغولف ومضمار سباق ومنتزه. 
بالإضافة إلى مساكن للإيجار، معروضة في مجموعة من أنواع التصميمات المبتكرة التي تستهدف فئات اجتماعية محددة مع فيلات منفصلة ومتدرجة، ومباني سكنية، ومجمعات سكنية وأكواخ للعمال.
صمم المهندس المعماري البلجيكي إرنست جاسبار (Ernest Jaspar 1876-1940) مدينة هليوبوليس في توليفة من العمارة الإسلامية والأوروبية والفارسية والمغربية. لقد "صمم الحي حول طرق واسعة وجهزه بجميع وسائل الراحة والبنية التحتية، مثل المياه والصرف الصحي والكهرباء والمرافق الفندقية وحتى بعض المرافق الترفيهية مثل ملعب الجولف ومضمار السباق ومدينة الملاهي" يشرح الأستاذ عبد الرحيم.

بناء قصر البارون
أُعجب البارون إمبان بمصر كثيراً، وأفتُتن بحضارتها، فقرر قضاء حياته فيها. ليس هذا فحسب، فقد أوصى أن يُدفن في القاهرة في "بازيليك هيليوبوليس" التي أنشأها بالقرب من قصره، حتى لو توفيّ خارج مصر.

تم الشروع ببناء قصر البارون في العام 1907 وتم افتتاحه في العام 1911 بحضور السلطان حسين كامل. 
تصميم قصر البارون مستوحى من تصاميم معابد أوديشا الهندوسية، ومعبد أنغكور وات (Angkor Wat) في كمبوديا، الذي تصنفه منظمة الأونيسكو العالمية واحداً من أهم المواقع الأثرية في جنوب شرق آسيا. 
التصميم للمهندس المعماري الفرنسي الكسندر مارسيل (Alexandre Marcel)، وكان يعرضة في معرض باريس العالمي في العام 1900، حيث رآه البارون إمبان واشتراه من مارسيل وعاد به إلى القاهرة، ليسلم التصميم إلى عدد من المهندسين الإيطاليين والبلجيكيين.

وفي العام 1907 شرعوا في بناء القصر على الربوة العالية التي حددها لهم البارون في صحراء القاهرة. أما زخرفة القصر وديكوراته فكانت للرسام جورج لويس كلود (Georges-Louis Claude, 1879-1963). انتهى البناء بعد 5 سنوات، وخرجت تحفة البارون المعمارية من وسط الصحراء.
أقام البارون إمبان في القصر منذ افتتاحه في العام 1911 إلى أن توفي فانتقلت ملكية القصر إلى ابنه "جان" حتى وفاته في العام 1946، والذي  دفن بجوار والده البارون في كنيسة البازيليك.

ثم انتقلت ملكية القصر إلى أحفاد البارون إمبان بعد وفاة والدهم "جان". ومنذ انتقال الملكية تعرض القصر للإهمال لسنوات طويلة. ثم بيع في العام 1954 بمحتوياته لـ3 أشخاص، عبر مزاد علني بمبلغ قدره 160 ألف جنيه مصري. 

في العام 1993  تمً تصنيف القصر رسمياً كمعلم أثري. وفي العام 2005  اشترته وزارة الإسكان المصرية من مالكيه، مقابل منحهم قطعة أرض بديلة بالقاهرة الجديدة بقيمة تساوي الثمن المقدر للقصر وقتها وهو 125 مليون جنيه مصري (21.5 مليون دولار أميركي).
مساحة قصر البارون الداخلية صغيرة نسبياً. يتألف من 3 طوابق؛ الطابق الأرضي والأول وطابق سفلي (تحت الأرض). ومصعد يربط جميع طوابق القصر ببعضها، وكان حينها لا يزال المصعد حديث الاستخدام. 

الطابق الأرضي
يضم الطابق الأرضي صالة كبيرة و3 غرف، واحدة للضيافة والثانية للمائدة مليئة برسوم مأخوذة من أكبر الفنانين مثل مايكل أنجلو، وليوناردو دافنشي، وفي كل ركن من أركان الغرفة عمود يحمل تمثالاً هندياً من التماثيل الثمينة. أما الغرفة الثالثة فخصصت للعب البلياردو. 
الطابق الأول
عن طريق السلم الرخامي، ودرابزينه المزين بتماثيل هندية صغيرة دقيقة الصنع، تصل إلى الطابق الأول الذي يتكون من صالة كبيرة و4 غرف نوم واسعة. أرضياتها من الباركيه ولكل منها حمامها الخاص المكسو ببلاط من الفسيفساء، ذات الألوان الزرقاء والبرتقالية والحمراء في تشكيلات لونية متناسقة، ولكل غرفة شرفة خاصة محمولة على تماثيل الفيلة الهندية، وأرضيتها مغطاة بالفسيفساء الملونة، وبها مقاعد ملتوية تحيط بها التماثيل من كل جانب..
سطح قصر البارون "البانوراما" أشبه بمنتزه. استخدمه البارون إمبان في بعض الحفلات التي كان يقيمها. وكان السطح مكانه المفضل لتناول الشاي عند الغروب. أما جدران السطح فعليها رسوم نباتية وحيوانية وكائنات خرافية، ويصعد إليه بواسطة سلم مصنوع من خشب الورد الفاخر.

الطابق السفلي
خصص الطابق السفلي (أو البدروم أو السرداب) للمطابخ وأماكن ركن السيارات وحجرات الخدم والمغاسل الرخامية. ويتصل بقاعة المائدة عن طريق مصعد مصنوع من خشب الجوز. 
على الجانب الأيسر للقصر برج كبير، يتألف من 4 طوابق يربطها سلم حلزوني، تم تزيين جوانبه الخشبية بالرخام وعلى درابزينه نقوش من الصفائح البرونزية مزينة بتماثيل هندية دقيقة النحت. 

وحول القصر حديقة فناء بها زهور ونباتات، أما النفق الذي قيل إنه موجود تحت الأرض ويربط القصر بـ"كنيسة البازيليك"، التي بناها البارون، فلم يُعثر عليه، حتى الآن.
استخدم في بناء القصر، المرمر والرخام الإيطالي والزجاج البلجيكي البلوري، الذي يمكّن من بداخل القصر أن يرى الخارج. 
يضم القصر مجموعة من التماثيل والتحف النادرة المصنوعة بدقة من معادن نفيسة، منها ما جلبه البارون من الهند مثل تماثيل بوذا والتنين الأسطوري، ومنها أوروبي الطراز المصنوع من الرخام الأبيض ذو ملامح يونانية ورومانية. بالإضافة إلى تماثيل لراقصات يؤدين حركات تشبه حركات راقصات الباليه. 

أما أكثر مقتنيات القصر تفرداً، فهي ساعة مثبتة في أعلى المدفأة في القاعة اليسرى بالبهو الرئيسي بالطابق الأرضي، وهي على شكل دائري موضوعة في إطار مقسوم إلى نصفين،النصف الأبيض يرمز إلى ساعات النهار، بينما يرمز النصف الأسود إلى ساعات الليل.
وهي ساعة فريدة من نوعها كانت تصنع خصيصاً لعلية القوم في أوروبا، وأغلب الظن أنها مصنوعة في سويسرا.

أما سجاد القصر فمن الأرجح أنه كان مصنوعاً في تركيا. بينما تعتبر بعض تماثيل القصر أصلية تماماً، والبعض الآخر نسخ لتماثيل موجودة حتى الان في متحف اللوفر.

 

من مميزات قصر البارون، أن بانيه حرص على ألا تغيب الشمس عن أي جزء منه. كما كان القصر من أوائل المباني في مصر التي استُخدم في بنائها الخرسانة المسلحة.
بالرغم من الإهمال الذي وقع عليه، ظل قصر البارون مقصداً لبعض الأعمال الفنية. فإلى جانب استخدامه كموقع للتصوير الفوتوغرافي، استُخدم للتصوير السينمائي، وظهر القصر في العديد من الأفلام السينمائية المصرية والكليبات، خاصة أفلام الأكشن والغموض، كان منها:

فيلم حبي الوحيد:
إنتاج العام 1960، ومن بطولة كمال الشناوي وعمر الشريف ونادية لطفي وشويكار.

فيلم الهارب:
 من إنتاج العام 1974، من بطولة شادية ومريم فخر الدين وكمال الشناوي وحسين فهمي.

فيلم آسف على الإزعاج: 
من إنتاج العام 2008، ومن بطولة أحمد حلمي ومنة شلبي.

أما الشركات الأجنبية فأكثر المشاهد التي أرادت تصويرها داخل القصر، مشاهد تتعلق بالرعب، لأفلام تشبه دراكولا ومصاصي الدماء.
بسبب الإهمال الذي لحق بقصر البارون صار قصراً مهجوراً وتحول إلى مسرح لشتى أنواع قصص الجنّ والعفاريت والأرواح، تُروى وتتناقل بين جيران القصر الذين أطلقوا عليه لقب "قصر الرعب".

موت شقيقة البارون "هيلانة"
كل القصص التي رويت حول سلسلة من الأحداث التي حصلت بالقصر فتحولت إلى أحداث غريبة وغامضة، ليس هناك ما يثبتها، ولعل أبرزها حادث وفاة شقيقة البارون "هيلانة" بعد سقوطها من شرفة غرفتها بالقصر.

وبدأت تُنسج الروايات حول هذه الحادثة وتقول إن البارون لم يسارع لإنقاذ شقيقته واستمر بجولته في البرج الدوار للاستمتاع بمشهد غروب الشمس. لكن روح هيلانة الغاضبة من شقيقها، عطّلت دوران البرج وظلّ شبحها يظهر للبارون فيرعبه ويخيفه ولكن الباحث المصري الدكتور رفيق جورج، الذي وثق لكل ما هو متعلق بالقصر والبارون، أكد في إحدى مقابلاته الصحافية أن "جميع وثائق نسب العائلة تنفي تماماً وجود هذا الاسم (هيلانة)، فلم يكن في عائلة البارون شقيقة له تدعى هيلانة من الأساس، وهناك سيدة ما، ولكن ليست هيلانة، وحتى الآن ليس لدي ما يثبت هذا الاسم" هذا بالإضافة إلى أن البرج لا يدور كما يُروج وينفي جورج أيضاً الروايات التي تحكي كيف قضى القصر على سكانه واحداً تلو الآخر، وأنه بعد شقيقة البارون (غير الموجودة أصلاً)، وُجدت  زوجته مقتولة في المصعد الذي يصل بين المطبخ وأعلى البرج، كما وُجدت رئيسة الخدم السيدة "دو مورييه" مقتولة في هذا المصعد، وأعقب ذلك وفاة 6 خادمات في حوادث غريبة ليس لها تفسير، وبطرق مرعبة. ويتساءل "هل هناك محضر شرطة يثبت وقوع جرائم قتل في القصر في ذلك الوقت؟ أعتقد لا، لقد بحثت طويلاً ولم أجد شيئاً". 
لعل الحادثة الأشهر التي يتم تداولها على نطاق واسع هي اشتعال النيران في برج القصر في العام 1982. تقول الروايات إن الدخان تصاعد من أعلى القصر، ثم انطفأ الحرق من تلقاء نفسه ومن دون تدخل من أحد. علماً أن أصحاب تلك الرواية، لم يصعدوا الى البرج حينها ولم يتأكدوا إن كان الحريق بفعل فاعل ومن أطفأه.

بالإضافة إلى ذلك، روايات لبعض جيران القصر يقولون فيها إنهم يسمعون تراتيل بلغة أجنبية تصدر في أيام معينة من شهر مارس، الذي توفيت فيه ابنه البارون " آن"، وأحياناً يسمعون صوت صراخ وصخب، ويعيدون ذلك إلى الأرواح التي تسكن القصر.
في العام 2017، بدأت شركة المقاولون العرب المكلفة من الهيئة الهندسية للقوات المسلحة المصرية بالتعاون مع وزارة الآثار، في أعمال ترميم القصر، بعد أن تسلمت كافة المستندات والدراسات الخاصة بالمشروع من المكتب الاستشاري المكلف من وزارة الآثار بعمل الدراسات الخاصة بترميم وتطوير القصر. 

قدرت تكلفة المشروع بـ113.738 مليون جنيهاً مصرياً بتمويل حكومي. وساهمت بلجيكا بمنحة بلغت 16 مليون جنيه مصري. 
افتتاح قصر البارون
انتهت أعمال الترميم وتم افتتاح القصر رسمياً في 29 حزيران/يونيو من العام 2020 بحضور رئيس الجمهورية المصرية عبد الفتاح السيسي ورئيس مجلس الوزراء مصطفى مدبولي ووزير السياحة والآثار خالد العناني.
وأصبح قصر البارون معلماً أثرياً سياحياً. وبات يضم القصر البارون المرمم معرضاً لتاريخ هليوبوليس، بما في ذلك ترام قديم معروض في الحديقة، بالإضافة إلى سيارتين من أربعينيات وخمسينيات القرن الماضي.

 

 


تابعنا على فيسبوك

. .
izmit escort batum escort
bodrum escort
paykasa bozum
gazianteplie.com izmir escort
18 film izle erotik film izle
deutsch porn