دكتور عماد الصوينع يكتب ..معتقدات المصريين القدماء والقرآن الكريم
قضيت في دراسة الديانة المصرية القديمة ما يقرب من خمسة عشر عاما من عمري وهي فترة الماجستير والدكتوراه فقط ، وكان الدافع وراء غرامي بالديانة المصرية هو ما كنت أجده من تشابه يصل إلي حد التطابق بين بعض ما اعتقد فيه المصريون القدماء وبين ما جاء ذكره في القرآن الكريم الذي تعلقت آياته ومعانيها بقلبي ووجداني بفضل ابي رحمه الله وكان رجل دين متميز يعمل إماما وخطيبا لأشهر المساجد في بلدتنا .
وكثيرا ما عقدت المقارنات علي صفحات رسالتي للماجستير بين المعتقدات المصرية القديمة والمعتقدات الإسلامية ما ورد منها في القرآن الكريم وما ورد في السنة الصحيحة ، غير أنني لم ألق تشجيعا من أستاذتي في ذلك بل علي العكس نهرني المشرفون والمناقشون علي حد سواء ، وقالوا " لا تقارن بين ديانة وثنية وديانة سماوية" ، وذلك رغم إعجابهم الشديد بالرسالة التي تجاوزت الألف صفحة
وفي رسالتي للدكتوراة وجدتني رغما عني اعصي أساتذتي ورحت ألتقط نقاط التشابه في الديانتين وأقوم بتوثيقها من القرآن الكريم والأحاديث النبوية والسنة المؤكدة ، بل أنني تبنيت هذه الفكرة وتزعمتها ودرستها لأبنائي الطلاب بجامعات المنصورة وأسيوط وسوهاج بل وشجعتهم عليها
فإن الذي يتأمل الديانة المصرية القديمة دون إزدراء أو تعصب يجد انها حقا تشتمل علي العديد من المعتقدات التي توصف بأنها شطحات وخرافات ، غير أنه سوف يجد أيضا أنها تشتمل علي إعتقادات راقية مضيئة أقرها القرآن الكريم ، ولا أدعي أن هذه الإعتقادات تمخضت من فكر المصريين القدماء لأنهم كانوا ذوي ذكاء خارق ، وذلك لأنها إعتقادات راقية جدا لا يستطيع الإنسان أن يصل إليها لا بثاقب بصره ولا بجلاء بصيرته ، وإنما هي هداية إلهية جاءت عبر رسالات سماوية هبطت من عند الله عز وجل علي رسل وأنبياء نقلوها للبشر ، ولماذا لا نقر ذلك ونحن نعلم أن الرسل كانوا في كل العصور وأنهم أرسلوا لكل الأقوام وذلك بنص القرآن
"إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا ۚ وَإِن مِّنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ "
ومن الإعتقادات الراقية في ديانة المصريين القدماء التي أقرها القرآن الكريم إعتقادهم في أن لكل منهم "قرين" ولقد أطلقوا علي هذا القرين الأسم "كا" وكان الإعتقاد في هذا القرين أنه يولد مع الشخص لذا نجد المعبود "غنمو" - ذو رأس الكبش وهو الذي كان يصور الأجنة في الأرحام وهو الذي يشكل الإنسان من الطين علي عجلة الفخراني - نجده لا يشكل شخصا فردا علي هذه العجلة وإنما يشكل إثنين الأول هو الشخص نفسه والذي يقف خلفه هو قرينه (انظر الصورة)
وكان الإعتقاد أن هذا القرين "كا" يلازم الإنسان طوال حياته وعندما يموت يدفن معه في نفس القبر علي مقربة منه ، وكانوا يضعون الطعام في المقابر في المواسم والأعياد من أجل هذا القرين فهو الذي يأكل ويشرب ، ولقد صوروا هذا القرين "كا" في نفس صورة صاحبه غير أنه يحمل علي رأسه علامة "كا" التي تصور ذراعين مرفوعين إلي أعلي ( انظر الصورة)
ولقد جاء ذكر هذا القرين في العديد من آيات القرآن الكريم منها علي سبيل الذكر لا الحصر :-
(وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ وَالَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَنْ يَكُنِ الشَّيْطَانُ لَهُ قَرِينًا فَسَاءَ قَرِينًا)
وايضا
قَالَ يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ ﴿٣٨ الزخرف﴾
وَمَنْ يَكُنِ الشَّيْطَانُ لَهُ قَرِينًا فساء قرينا (٣٨ النساء)
وأيضا
وَقَالَ قَرِينُهُ هَذَا مَا لَدَيَّ عَتِيدٌ * أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ * مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ مُرِيبٍ * الَّذِي جَعَلَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَأَلْقِيَاهُ فِي الْعَذَابِ الشَّدِيدِ * قَالَ قَرِينُهُ رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ وَلَكِنْ كَانَ فِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ * قَالَ لَا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ * مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ
والقرين (في الدين الإسلامي) هو الشيطان الموكَّل بكل إنسان لإغوائه وإضلاله ، وقد جاء ذكر ذلك في القرآن والسنَّة الصحيحة ، فالقرين هو شيطان مسلط علي الإنسان بإذن الله
عز وجل ، يأمره بالفحشاء وينهاه عن المعروف ، كما قال عز وجل : (الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِالْفَحْشَآءِ وَاللهُ يَعِدُكُم مَّغْفِرَةً مِّنْهُ وَفَضْلاً وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) ، ولكن إذا منّ الله سبحانه وتعالى على العبد بقلب سليم صادق متجه إلى الله عز وجل مريد للآخرة ، مؤثر لها على الدنيا : فإن الله تعالى يعينه على هذا القرين حتى يعجز عن إغوائه .»
والإنسان عموماً له قرين من الجن وقرين من الملائكة، فقرين الجن دوره في حياتنا الإغواء ومعلوم أن إبليس أقسم على هذا.
وقرين الملائكة إما أن دوره أن يحفظنا من الشر، وإما أن يساعدنا على الخير .