صفوت عمران يكتب: لماذا يكرهون النقد!!
تعيش بلادنا وضعاً متناقضاً، وشديد الغرابة.. المسئول .. أي مسئول .. سواء كان في الحكومة أو الأحزاب أو أي مؤسسة، وموضع مسئولية في مصر، لا يريد من الجماهير إلا أن تسبح بحمده، وتمنحه صكوك البراعة والذكاء والفطنة والنجاح والإبداع، وتصدق زوراً وبهتاناً أنه لا ينطق عن الهوى، ولا يأتيه الباطل من بين يديه، كما تجده يضيق ذرعاً بأي إنتقاد حتي لو كان حقيقة، ويرفض أي رأي يخالفه حتي لو كان من مواطناً مخلصاً ومحباً للوطن والصالح العام، أي مسئول في بلادنا لا يعجبه إلا "حملة المباخر" و"كدابي الزفة" و"مزيني الباطل والفشل"، فالمسئول الملهم لا يخطئ، ويمتلك مفاتيح الكلم والعلم والعمل، ليبقي السؤال طالما هم كذلك لماذا هذا الفشل والتأخر والعشوائية والفساد ونهب المال العام والتراجع الإقتصادي والانقسام المجتمعي وغياب العدالة وإختفاء أي دور وطني للقوي السياسية والمجتمعية، الذي تعانية بلادنا منذ عقود طويلة ومازالت.
الحقيقة أن من ينتقد لأجل الوطن اولى بالإهتمام وليس الإبعاد والإقصاء .. الحقيقة أن من يمتلك رؤية مغايرة يجب الاستماع إلية ربما يمكننا الخروج منه بما يفيد الوطن، بعدما نقارن بين مختلف الرؤى ووجهات النظر والحلول، فلن نتقدم خطوة واحدة إذا لم نؤمن فعلاً وليس قولاً، بأن بلادنا لا يمكن بناءها بالصوت الواحد، والإعلام الواحد، والإتجاه الواحد .. لا يمكن تحقيق النهضة والتقدم والرفاهة لبلادنا بشعار "كله تمام" بينما الإهمال والفساد يضربان كل مكان، والخروج عن القانون بات شعار الجميع بما فيهم حراس العدالة نفسها، واصبح الفساد "تفتيح مخ"، والرشوة "إكرامية"، والسرقة والنهب "شطارة"، وكتم الحريات وإقصاء الرأي الاخر "وطنية"، وقتل ابناء الوطن سواء كانوا شرطة أو جيش أو مواطنين "انتصارا للحق"، وقطع الرقاب "إعلاء لشريعة الله"، وإرتكاب المعاصي وكشف العورات وإهانة الاديان "حرية"، فكل ذلك خطر لو تعلمون عظيم، ليس فقط على حاضرنا الذي بات مشوها المعالم، ولكن خطر أيضاً على مستقبل الأجيال القادمة التي تعاني من إنهيار وتضارب وتناقض النسق القيمي، ووقع اطفالنا صرعى بين الحق والباطل المرتدي ثوب الحق، أصبح اطفالنا لا يدرون أين الطريق الصحيح، وهو ما يهدد المجتمع من تأثيرات أجيال مشوهه ومتصارعة ولا تدرك إلي أين يمكن أن تذهب بالوطن، وسوف نجد كل فريق منهم يذهب في إتجاه متناقض مع القيم الوطنية، وأغلبها أتجاهات لا تخدم مصر التي نريدها ديمقراطية حديثة، يحكمها الدستور والقانون، ويسودها العدل والمساواة، والقيم الدينية السليمة.. أجيال ترى أن الهجرة من مصر والحصول على جنسية بلاد أخرى وسيلة الاعتراض الأكثر سلمية على رفضها ما يحدث خلال العقود الأخيرة.
الواقع.. إن أي مسئول في بلادي يتحدث عن الديمقراطية والعدالة الإجتماعية وحرية التعبير والمساواة وإحترام الدستور والقانون والشفافية، قبل أن يتولي موقع المسئولية فقط، أما بعدها فيتحول إلى كائن آخر لا يعرف إلا عكس كل ما كان يخدعنا بأنه يؤمن به، بل البعض يرون الفساد بات اقوى من أي مسئول إصلاحي في بلادنا، وأخرون يؤكدون أن الأزمة في بلادنا هي عدم تطبيق القانون على من يمتلكون سلاح السلطة والنفوذ والمال، وفريق ثالث ساخر يرى أن العيب قد يكون في "الكرسي" أي "كرسي السلطة" الذي يغير صاحبه أكثر مما يغيره هو، وهو أمر يفقدنا الأمل في غد أفضل، خاصة بعدما ذهب المتشائمون إلى أننا أصبحنا فاسدين بالوراثة، وأن كل منا يمسك بمشعل الفضيلة عندما يكون في موقف الضعف فقط، لكن عندما يتمكن مما يريد لا يتورع من إرتكاب أبشع الموبقات والجرائم، مستندا علي قوة السلطة، مدفوعا بـ "المطبلاتية"، وخدم الأنظمة .. كل الأنظمة، وفسدة رجال المال، وإعلام "عاش الملك مات الملك"، وصولا إلي أصغر إنتهازي في الوطن، فالجميع للأسف باتوا يدركون أن النفاق طريقهم الإجباري للحصول علي جزء من التورتة، فأصبح الجميع ينافقون بعضهم البعض طمعاً في جزء من السلطة كل وفقا لحجمه، بل أن الكثيرون أصبحوا يقبلون الاهانة ممن هما أعلى منهم في السلطة حتى يظلوا في الصورة وفي المشهد، لكنهم وهم في موضع المسئولية لا يقبلون النقد حتي لو كان حقاً .. لا يبقلون التنبيه إلى ما يرتكبونه من أخطاء في حق انفسهم والناس والوطن، فلم يعد المسئول أي مسئول في بلادي يستوعب أنه يخطئ من كثرة النفاق الكاذب الذي يصادفه يومياً.
الواقع.. أننا نحتاج إلى ثورة تصحيح علي القيم المغلوطة في مجتمعنا، والعودة إلى قيمنا الأصيلة، نحتاج إلى إدراك أن الوطن لن يبني إلا بكل ابنائه بلا استثناء، وتطبيق الدستور والقانون على الجميع بلا إستثناء، ووضع الرجل المناسب في المكان المناسب، نحتاج أن يدرك كل مسئول أنه ليس فوق مستوي النقد، وأن دوره الحقيقي العمل بضمير وتحمل مسئوليته، وليس شراء الضمائر والسعي في الارض فساداً، نحتاج إدراك أن المجتمع بدون توفير تعليم متميز وعلاج مجاني وجيد، وسكن أدمي، وعمل يتناسب مع مؤهلات كل مواطن، لن يتقدم خطوة واحدة للأمام، ونعلم أن أي مجتمع يتغذي علي الفضائح لا يمكن أن يتحرك خطوة واحدة للأمام، وأي مجتمع لا يمنح ابنائه فرص متساوية في العمل والترقي سوف تنهشه الطبقية والصراع العدائي بين مختلف مكوناته، وأن أي مجتمع لا يحقق الاكتفاء الذاتي ويأكل من إنتاجه لا يمكن أن يضبط علاقته بالمجتمع الدولي، وأن إنقاذ الوطن أهم وأبقى من إنقاذ النظام، وأن كسب ثقة المصريين أهم وأبقى من شراء المواقف السياسية للدول الأجنبية، وأن بيع أصول الدولة لدول وشركات أجنبية خطر يهدد استقلال الوطن ويجعله عرضه لاحتلال من نوع جديد، وأن اختلافنا لا بد أن يكون من أجل مصلحة مصر وليس صراع أجنحة من أجل تحقيق مكاسب شخصية، وأن النضال حتى باب المصلحة نوع من الابتزاز السياسي المرفوض، وأننا وبدون إعلام وطني ينير الطريق ويسعي للبناء وليس للهدم سوف تتوه بوصلة الوطن، وأن السلطة .. أي سلطة .. لا بد أن تقابلها مسئولية يحاسب عليها كل من أحتل مكانة أو موقع في هذا المجتمع، فالنقد البناء مفيد للشرفاء ودعاة البناء، ومزعج ومقلق وعدو للفسدة ومصاصي دماء شعبنا وناهبي ثروات بلادنا ودعاة التربح وسرقة قوة المصريين حتي لو تحت شعارات زائفة.