أوكرانيا مسرح الأحداث )
في كثير من الأحيان تحتاج النظرية التي يتم التأسيس لها والتمهيد من أجلها إلي اتخاذ موقف فاصل وقرار واضح الملامح لفرضها ووضعها في مقدمة التحول المقصود والمرجو الذي يضحي هو (أي التحول) نتيجة طبيعية بعد وضع تلك النظرية في بؤرة التنفيذ وتلك النظرية لم تأتي عبثا ، ولم يركن لها من آمن بها ورسمها وخطط إلا لضرورة رآها ، وافتراض استوجبته المرحلة لتستحيل النظرية إلي واقع ، وتفاصيلها إلي قرارات ؛ ويدعم قولنا هذا حالة التحدي الذي بات عليها العالم اليوم وحالة التأمين بعيد المدى من دول بعينها في مواجهة دول أخرى ، ومن عناد وصراع بين قوي عظمي في مواجهة قوى عائدة ، ولا شك أن كل هذه المعطيات بما تمخضت عنه من قرارات تفرض واقعاً قريباً ؛ ربما يمهد لواقع آخر ننتظره كنتيجة متوقعة .
(الواقع القريب) :-
والواقع القريب الذي نلمسه بيقين في تلك الأحداث هو
(الغزو الروسي لإوكرانيا ) والتمهيد السابق في مقدمة المقال يجعلنا لا نرى قراراً أو سلوكاً لدى الجانب الروسي أصوب من قرار الغزو لإوكرانيا طبقاً لحلم العودة الذي بدأ يتموضع لدى أصحاب القرار السياسي في روسيا والذي بدأ منذ عقود في التأسيس لجيش عملاق نجح في الوصول إلى المرتبة الثانية عالمياً ؛ أي أنه يمثل الواجهة العسكرية الأخرى المناهضة للنظام العالمي الحالي ، ولما كان الواقع الجيوسياسي يفرض قراراته في التأسيس للنظرية المشار لها سابقاً في الواقع القريب والبعيد. (الواقع البعيد):-
ولما كانت الجغرافيا هي صانعة الأحداث ومحددة القرارات فإن عودة القوة العسكرية للجانب الروسي وقدرتها علي بسط نفوذها لتأمين طموحاتها ولأن فكرة الأمن القومي باتت تمتد إلي خارج حدود الدول ذاتها إلي دول الجوار فكان قرار الحرب الروسية علي أوكرانيا يستند إلي صحيح المنطق لدى متخذي القرار ، خاصة مع التلويح والرغبة الأوكرانية في الإنضمام إلى حلف الناتو والذي يعد شوكة في حلق الحلم الروسي ، فما بالنا من خطورة ذلك إذا كان من الجار المتاخم لروسيا ، وما يدعم فكرة البعد الإستراتيجي للأمن القومي الروسي هو ما نراه في هذا الغزو ومن استهداف الشرق الأوكراني وصولاً إلي العاصمة كييف في سيطرة لعمق يصل الي 600 كيلو متر بعيداً عن الحدود الروسية ؛ ما يضمن سلامة الأمن القومي الروسي في مواجهة خطر الناتو الزاحف شرقاً.
#الواقع_الأبعد :-
(خلخلة النظام العالمي الحالي)
وليس الواقع البعيد منفصلاً عما تحقق حتي الآن في مسرح الأحداث الذي شكل الواقع القريب السابق بيانه ؛ بل لا نستطيع التخطي لأن الأحداث بما نراها وما يتوقع أن نراها عبارة عن سلسلة متصلة حلقاتها وكلما زاد الاتصال اقتربنا من قمة الأحداث بتفاقماتها وتطوراتها المثيرة ؛ فعندما نرى من روسيا وحليفتها الصين تحاولان خلخلة النظام العالمي الحالي والذي تقوده أمريكا بدعم من دول أوروبا فإن الأمر يصل إلي حد إعادة تشكيل المصائر ، وهذا ما لم تقبل به أمريكا على سبيل الإطلاق.
منذ أكثر من عامين صرح الزعيم الصيني ( شي جين بينغ )أن الاقتصاد الصيني ينمو ويصعد صعوداً سريعاً وأن الصين خلال العشر سنوات القادمة ستكون القوى العظمى في هذا العالم وستتخطى أمريكا ، ولهذا التصريح وجاهته الواقعية فقد استطاعت الصين أن تحقق نظرية الأخطبوط الصيني في الوصول إلي جميع دول العالم من صادراتها والصين ذاتها قدمت دعماً صريحاً إلي روسيا في حربها ضد أوكرانيا وكان ذلك رداً علي التصريح الأمريكي بتحذير الصين من دعم روسيا ، ثم لا ننس الحلم الصيني وضم جزيرة تايوان إليها وهذا ما تمهد له الصين في وقتنا الراهن ، فعندما تجد الصين نفسها في محيط دافئ من حلفاء أقوياء ( روسيا وترسانة أسلحة وطفرة في تطور الأسلحة أوصلتها لمرتبة القوة العسكرية الثانية في العالم _ المشروع النووي الذي تلوح به ويصنع به الزعيم الكوري الشمالي " كيم كونغ اون " بؤرة توتر لدول الغرب _ القدرة الاقتصادية الصينية التي اخترقت بها وأثرت في اقتصاديات العالم كله ) فإن كل هذه الأدوات والمعطيات إذا اتخذت بها سبيل في فرض عملتها جانباً إلي جنب مع الدولار بأن قررت الدفع من قبل دول العالم المستوردة من الصين باليوان الصيني بدلاً من الدولار الأمريكي وبهذا يتم ميلاد عملة عالمية تنافس الدولار ومن ثم نظام اقتصادي عالمي جديد ، فهذا ما لم تقبله أمريكا ولا حليفتها أوربا ؛ ما سيجعل قرار الحرب العالمية الثالثة أمراً واقعا ، تدافع أمريكا من خلال هذه الحرب عن بقائها في وضعية سيادة العالم ، وتسعى الصين وحلفائها إلي فرض حلمها من التأسيس لنظام عالمي جديد تقوده الصين بدلاً من أمريكا ، ويحتل اليوان مكانة الدولار ، وقد يكون ما يحدث الآن في أوكرانيا هو الشرارة الأولي لحرب عالمية ثالثة ؛ فأوكرانيا هي مسرح أحداث في سلسلة أحداث إن تلاحقت فلا أريد أن أتخيل مجرد الخيال حجم الخراب وفناء دول بعينها وموت شعوب جوعاً . لا لا لا أريد أبداً أن أتخيل ما يمكن أن يؤول إليه العالم وما سيتحول إليه كوكب الأرض من صورة وحشية أرفض تخيلها حفاظاً علي ملامح وجهي من متلازمة العبوس.