فى ذكرى البابا كيرلس السادس في 9 مارس .. هل ساهم البابا كيرلس في إستخدام الدولة للدين سياسياً؟
مضت 51 سنة على رحيل البابا كيرلس السادس - بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية الـ 116 في التاسع من مارس الحالي. ولاتزال علاقته بالرئيس الراحل جمال عبد الناصر مثار للتساؤل، والحوار، والبحث في التفاصيل التي ربما لا نعرفها، أو التي نعرفها.. ولكنها تحتاج إلى المزيد من التفسير وإعادة النظر في تفاصيلها، لإعادة قراءة تاريخنا المعاصر.
توجهتُ إلى الأستاذ هاني لبيب الكاتب والباحث ورئيس تحرير موقع مبتدا، الذي يتناول قضيتي المواطنة والدولة المدنية ليكتب فيهما باستمرار، ضمن مجال الكتابة في مجال الحقوق الذي ينحاز إليه بشكل عام. وخاصة شئون أكثر الفئات من المستضعفين، كالمواطنين المسيحيين المصريين والمرأة. التي ظهرت واضحة في القضايا التي تناولها بكتبه السبعة منذ بدأها بكتاب "أبونا قنواتي.. مشوار العمر"، عام1998.. حتى كتاب "السالب والموجب.. مصر بين قطبين"، عام 2016.
بدأتُ حواري معه، بتأمل صورة الرئيس جمال عبد الناصر وهو يسير ممسكا بيد البابا كيرلس السادس، بمودة واضحة على الشخصين.. وذكرتُ له أن هذه الصورة من أكثر الصور التي يحتفظ بها بعض المصريين المسيحيين للزعيم جمال عبد الناصر بحزمه ووضوحه وثوريته وكاريزمته. والبابا كيرلس السادس، الذي اشتهر بالتسامح والمحبة والشفافية الروحية وعمل المعجزات مع جميع المصريين.. فأحبوه.
سألتُ الأستاذ هاني عن طبيعة العلاقة بين عبد الناصر والبابا كيرلس في بداية عهد كل منهما؟
فقال: كانت العلاقة بينهما يشوبها نوع من التوتر في بدايتها لعدة أسباب، منها: إنه بعد تولي البابا كيرلس السادس لكرسي البطريركية، طلب عدة مرات مقابلة الرئيس جمال عبدالناصر، ولأسباب غير معروفة لم تتم المقابلة. كما إن الرئيس لم يكن يعرف شخصية البابا كيرلس السادس الهادئة عن قرب، فلم يجد له مبررا لعدم حضوره العديد من المناسبات الرسمية للدولة، واكتفائه بإرسال سكرتيره نيابة عنه.
كيف انتهت حالة التوتر بينهما؟
انتهت بمبادرة من البابا كيرلس نفسه، حينما زار الرئيس جمال عبدالناصر في منزله يوم 12 أكتوبر سنة 1959، وكان ذلك باقتراح من الراحل زكي شنودة (المحامي ومستشار البابا كيرلس السادس الخاص حينذاك والعميد الأسبق لمعهد الدراسات القبطية). وانتهت المقابلة بشكل حميم جداً.. لدرجة الاتفاق على أن يكون الاتصال بينهما مباشرا، بل أعطى الرئيس جمال عبدالناصر الحق للبابا كيرلس في أن يطرق بابه في أي وقت يشاء.. خاصة في الزيارات المنزلية.
وما الذي يجعل عبد الناصر يبني علاقة وثيقة مع بابا الأقباط؟ وقد تردد أنه كان سيترأس جماعة الإخوان قبل الثورة بوقت قصير!
أولا نتفق بوضوح على أن مسالة نية الرئيس جمال عبدالناصر لترأس جماعة الإخوان هذه كذبة وأمر غير حقيقي، وأعتقد أن من يرددون هذه الأقوال لم يقرأوا ولم يفهموا المذكرات التي تقول أن الرئيس بالفعل التحق بالجماعة، ولكنه خرج منها بعد أن تعرف على أفكارها وأهدافها.
أما مسألة وثوق العلاقة بين الرئيس جمال عبدالناصر والبابا كيرلس.. فأرى أنها كانت ترتكز في رؤية الرئيس على الوطنية المصرية في إطار مشروعه السياسي. والدليل على ذلك، هو تأسيسه لفكرة أن تكون مصر محور سياسي.. بداية من الدائرة العربية، مرورا بالدائرة الإسلامية، وصولًا إلى دائرة دول عدم الانحياز. بالإضافة إلى الدائرة المسيحية فيما بعد - خاصة لِما للكنيسة المصرية من تأثير روحي وديني كبير في بعض الدول الإفريقية الهامة. وهو ما ظهر من خلال تبرعه المادي وتدعيمه المعنوي لبناء أكبر كاتدرائية في الشرق الأوسط وإفريقيا لتكون مركزاً للأرثوذكسية المسيحية، ومقراً للبابا المصري.. القطب الموازي دينياً للمسيحية الغربية (الڨاتيكان). وهي الدائرة التي لم تكتمل في عهده.
وهو ما يؤكد أن الوصف الدقيق لعلاقة الكنيسة والدولة في عهد جمال عبدالناصر كانت بمثابة تعبير عن اتجاه الدولة في التعبئة السياسية.. من خلال التعامل المباشر بينها وبين المؤسسة الدينية المسيحية للوصول لحالة التناغم مع طبيعة المرحلة.. التي وظفت الدين توظيفاً سياسياً في تعبئة وحشد المجتمع للتبرير السياسي للخطاب الناصري.
يعتقد البعض أن البابا كيرلس استثمر علاقته بالرئيس عبد الناصر، وطلب منه بناء الكاتدرائية؟ فما هي الحقيقة؟
لبناء الكاتدرائية قصة تؤكد حالة التكامل الوطني بين البابا كيرلس والرئيس جمال عبدالناصر، وهي القصة التي كتبها محمد حسنين هيكل في كتابه "خريف الغضب"، ثم أكدها لي الراحل الأنبا غريغوريوس بعد ذلك. عندما أراد البابا كيرلس بناء كاتدرائية كبيرة تليق بمكانة الكنيسة القبطية، ولم يرغب في الاستعانة بموارد من خارج مصر. وفي الوقت نفسه، كانت موارد التبرعات المحتملة من داخل مصر قليلة؛ نتيجة لقرارات التأميم التي أثرت على الأغنياء من المسيحيين والمسلمين المصريين على السواء.. وهو ما وضع البابا كيرلس في مأزق جعله يدعو محمد حسنين هيكل (وكان رئيساً لتحرير جريدة الأهرام حينذاك) لزيارته، بحضور الراحل الأنبا صموئيل (الأسقف العام للخدمات). لبحث مدى إمكانية الحديث مع الرئيس عبدالناصر في هذا الأمر، واستطلاع رأيه دون أن يتسبب ذلك في حرج للبابا أو للرئيس نفسه.
وما الذي جعل الرئيس جمال عبد الناصر يوافق على بناء الكاتدرائية؟
جاءت موافقة الرئيس عبدالناصر على بناء الكاتدرائية انطلاقا من رؤيته للمركز الممتاز للكنيسة المصرية ودورها الأساسي في التاريخ المصري. والحقيقة، أن رد فعله كان إيجابياً جداً.. بتأكيده على أهمية الحقوق الإنسانية والاجتماعية المواطنين المسيحيين المصريين. وبناء عليه، قرر أن تساهم الدولة بنصف مليون جنيه في بناء الكاتدرائية الجديدة.. تقوم بدفع نصف الإسهام نقداً، ونصفها الآخر يقدم عيناً بواسطة شركات المقاولات التابعة للقطاع العام. وهكذا تم بناء المرقسية الجديدة كواحدة من أكبر كاتدرائيات العالم للكنيسة المصرية. وجاء الرئيس جمال عبدالناصر لوضع حجر الأساس لها بالعباسية في حضور الإمبراطور الأثيوبي هيلاسلاسي في 24 يوليو 1965.
وهل يفهم من هذا أن حالة التكامل الوطني التي أشرتَ إليها بين الرئيس والبابا .. كانت لهدف؟ انتهى بالمشروع السياسي للرئيس!
بالعكس، فقد قام الرئيس عبدالناصر بعدة مواقف وطنية تؤكد ثبات موقفه من حالة التكامل الوطني التي استهدفها، على غرار: إقالة أحد كبار المسئولين من منصبه بعدما تأكدَ من قيامه بالعديد من الإجراءات المتعسفة التي سببت متاعب كثيرة للبابا كيرلس السادس. كما أن الرئيس نفسه شجع أبناءه على التبرع بمدخراتهم لبناء الكاتدرائية الجديدة. كما نذكر أيضاً إن الدولة أسهمت في عهد الرئيس جمال عبدالناصر عام 1967 بمبلغ عشرة آلاف جنيه لمواجهة عجز ميزانية البطريركية وسداد مرتبات الموظفين بعد توقفها لعدة شهور.
وكيف عبر قداسة البابا كيرلس عن محبته ومساندته وتقديره للرئيس عبد الناصر؟
عبر البابا كيرلس عن مساندته للرئيس بأكثر من مظهر، فحينما أعلن الرئيس جمال عبدالناصر التنحي عن الحكم بعد هزيمة يونيو 1967؛ توجه البابا كيرلس على رأس وفد من المطارنة والأساقفة والكهنة إلى رئاسة الجمهورية يوم 10 يونيو سنة 1967، وأعلن تمسكه وتمسك المسيحيين المصريين بجمال عبدالناصر. وعندما تراجع عبدالناصر عن قرار التنحي.. أمر البابا كيرلس جميع الكنائس بضرب الأجراس احتفاء بقرار الرئيس. والطريف في الأمر، أنه أثناء مرض عبدالناصر وسفره للعلاج في مصحة تسخالطوبو بالاتحاد السوفيتي حينذاك.. كان البابا كيرلس من القلائل الذين كانوا على اتصال تليفوني دائم به للاطمئنان على صحته. وكان على رأس مستقبليه حين عودته للقاهرة.
وحينما رحل الرئيس جمال عبدالناصر في 28 سبتمبر سنة1970 عبر البابا كيرلس السادس عن عميق حزنه في بيان جاء فيه: (.. إن النبأ الأليم هز مشاعرنا ومشاعر الناس في كل الشرق والغرب بصورة لم يسبقه إليها أحد.. ونحن لا نستطيع أن نصدق أن هذا الرجل الذي تجسدت فيه آمال المصريين وكل العرب يمكن أن يموت. جمال لم يمت ولن يموت إنه صنع في أقل من عشرين سنة تاريخنا.. ما لم يصنعه أحد من قبله في قرون..).
ومرت الأيام، ورحل البابا كيرلس في 9 مارس 1971، فأعلنت إذاعة صوت العرب: (لقد توفى الصديق الوفي لعبدالناصر!!). كما كتب الإمام الأكبر الراحل محمد الفحام شيخ الأزهر الشريف كلمة تعزية قال فيها: (صادق التعزية فيمن كان محبوباً من الله ومن الناس).
ومار أيك فيما يعتقده البعض بأن معجزة ظهور العذراء -التي شهدها العالم كله- في كنيسة الزيتون عام 68، كانت بغرض بث الرجاء عند المصريين بعد هزيمة 67؟ كما قال البابا تواضروس الثاني! ولتعزية البابا كيرلس نفسه، كاستجابة لصلواته التي يُعتقد أنها استجيبت في 1973؟
- أرجو أن تبعديني تماما عن موضوع المعجزات.. فانا أهتم بالثقافة والسياسة فقط!
ولكن هناك العشرات بل المئات من القصص المروية والمكتوبة حول المعجزات التي صنعها البابا لأسرة عبد الناصر؟ والتي يعتقد أنها السبب الحقيقي وراء تغيير طبيعة علاقة الرئيس بالبابا!
سأروي لكِ ما أخبرني به الراحل الأنبا غريغوريوس (أسقف عام الدراسات العليا والثقافة القبطية والبحث العلمي) حينما صارحته بعدم اقتناعي بما يردده بعض الكهنة والمسيحيين.. من أن قوة علاقة البابا كيرلس السادس بالرئيس جمال عبدالناصر تعود إلى ما يتردد من أنها معجزة شفاء قام بها البابا للرئيس ولأحد أبنائه. ففي تقديري، أن شخصية الرئيس جمال عبدالناصر لا تتوافق مع مثل تلك الأطروحات.
ولكن هذا لا ينفي حدوث تلك المعجزات.. التي بالتأكيد لم تأتِ من فراغ! خصوصا وأن الكثير من المعاصرين شهدوا بمعجزات البابا كيرلس، كما أن الكنيسة الأرثوكسية أعلنت منحه صفة القداسة التي تجوز بعد مرور 50 سنة من انتقال الشخص، إذا ما تأكد حدوث المعجزات باسمه طوال تلك الفترة!
- على أي حال، دعيني أخبرك أن الأنبا غريغوريوس اتفق معي في الطرح السابق، بل وأكد ذلك من خلال ما ذكره لي من مواقف تستحق أن تروى، هي التي ساهمت في تقدير الرئيس عبد الناصر لشخصية البابا كيرلس، وهي:
الموقف الأول: حينما قام وزير الداخلية بإلغاء انتخابات المجلس الملي في بداية عهد البابا كيرلس. وتم الاتفاق على تعيين "لجنة إدارة أوقاف البطريركية" والمكونة من 12 عضواً، وقدم البابا قائمة بالأعضاء المقترحين. غير أن القرار الذي صدر بتكوين اللجنة وتم نشره في جريدة الوقائع الرسمية.. تضمن استبعاد بعض الأسماء بسبب تأميم ممتلكاتهم مثل "زكي الأسيوطي". فاعترض البابا كيرلس على ذلك، وعلم الرئيس جمال عبدالناصر بالأمر.. فأصدر توجيهات بتكوين اللجنة طبقاً للقائمة التي قدمها البابا كيرلس السادس.
الموقف الثاني: استحسان الرئيس عبدالناصر لاعتذار البابا كيرلس عن استقبال الأنبا مكاريوس في المطار أثناء زيارته للقاهرة.. رغم كونه يجمع بين رتبته الدينية كأسقف، وكرئيس لدولة قبرص.
الموقف الثالث: حينما زار هيلاسلاسي (إمبراطور الحبشة) القاهرة عام 1959 للمرة الأولى، ثم ذهب إلى مقر البطريركية.. وقام بتقليد "وشاح سليمان الأكبر والصليب المقدس" للبابا كيرلس، بطريقة حملت تقديراً استثنائياً لبطريرك الكنيسة المصرية، أثارت دهشة أعضاء لجنة الشرف، ونقلوها إلى الرئيس جمال عبدالناصر فيما بعد.
الموقف الرابع: حينما دعا الإمبراطور هيلاسلاسي لعقد مؤتمر لاهوتي كبير للكنائس الأرثوذكسية الشرقية (اللاخلقدونية) بأديس أبابا في أكتوبر 1964. وعلم أن البابا كيرلس لن يستطيع حضور المؤتمر.. فقام بتأجيل المؤتمر ليتم عقده في سنة 1965 برئاسة البابا. وحينما جاء الموعد المحدد لانعقاده، لم يذهب البابا كيرلس، أيضا، وكان معروف عنه أنه لا يفضل ركوب الطائرات، فأوفد كل من الراحلين الأنبا صموئيل والأنبا أثناسيوس نيابة عنه. لكن الامبراطور أصر على عدم عقد المؤتمر إلا بحضور البابا، فبذل السفير الأثيوبي في مصر "مولا سعدون" مجهودا كبيرا في الاتصال بالبابا كيرلس.. غير أن جهوده باءت بالفشل. ووصل الأمر إلى أنه بعد مرور يومين على موعد انعقاد المؤتمر، وانتظار قدوم البابا المصري.. طار قريقاوس بسادة (المستشار الاقتصادي المصري والمقرب من الإمبراطور الأثيوبي) على طائرة خاصة لمقابلة البابا في كنج مريوط... لإقناعه بالذهاب معه لحضور المؤتمر ورئاسته. فاستحسنت الدولة المصرية موافقة البابا كيرلس بالذهب للحبشة، وأصدر الرئيس جمال عبدالناصر أمرا بحضور موظفي مصلحة الجوازات للعمل يوم الجمعة.. العطلة الرسمية للدولة، لإنهاء إجراءات سفر البابا كيرلس والوفد المرافق له. وقد استقبل الإمبراطور هيلاسلاسي البابا كيرلس في المطار، واصطحبه في كافة زياراته هناك، مثلما قام بتوديعه إلى أن ركب الطائرة عائدا للقاهرة. بمرأى ومسمع من السفير المصري هناك، والذي قام بنقل ما حدث كاملا إلى الرئيس جمال عبدالناصر بالقاهرة.
وهل تعتقد إن علاقة البابا كيرلس بالرئيس.. كانت ستتغير لو طال به العمر وعاصر الرئيس السادات؟
لا يوجد في التاريخ السياسي محل لإعراب كلمة (لو).. لأنه تاريخ وحدث بالفعل في سياق سياسي واجتماعي وثقافي محدد غير قابل للتغيير أو لتعديل نتائجه وما ترتب عنه. لذا لا يمكم المقارنة من الأصل.
لماذا في رأيك، وجد البابا كيرلس رفضا ومعارضة من بعض رجال الشعب والكنيسة؟ والمعروف عنه أنه كان رجل التقوى والصلاة!
لم يكن رفضاً بالمعنى الحرفي.. فزمانه لم يعرف وسائل الإعلام الجديدة ولا السوشيال ميديا التي تساعد على تضخيم الاختلاف.. ولكن المعترضين والمنتقدين لسياساته كانوا من المثقفين والسياسيين وبعض رجال الكنيسة.. فالبابا كيرلس تميز بشعبية طاغية بسبب إنسانيته من جهة، وكاريزمته كرجل صلاة من جهة أخرى. كما تميز بصورة أبوية لها تأثيرها على جميع من تقابل معه. فلا توجد داخل الكنيسة فكرة (المعارضة) بالمعنى الحزبي والسياسي. ولكن توجد مسألة وجهات نظر.. خاصة من العلمانيين (أي كل من هم من غير رجال الكنيسة). وهي في غالبيتها لصالح تطوير الكنيسة وتقدمها ومستقبلها.
وأخيرا..
هل نستطيع القول أن العلاقة الحالية بين الرئيس عبد الفتاح السيسي والبابا تاوضروس الثاني.. تكرار لنفس العلاقة بين الرئيس جمال عبد الناصر والبابا كيرلس السادس؟
- التارخ لا يعيد نفسه، لإنه لا يمكن استرجاعه أو استعادته! فعلاقة الرئيس عبد الفتاح السيسي بالبابا تواضروس الثاني أقوى كثيرا من العلاقة التي كانت بين الرئيس عبدالناصر والبابا كيرلس.. بما تحمله من التقدير والاحترام المتبادل بين كل منهما للآخر. في نفس الوقت، لأول مرة نرى رئيسا يبادر بوضع أسس لحل مشاكل المسيحيين، بدون أن تطلب منه الكنيسة ذلك. وهو الذي يقرر الذهاب للكاتدرائية في العيد لتهنئة المسيحيين كتقليد. بل وصل الأمر أن يسأل بنفسه عن وجود كنيسة في كل مدينة، بل ويطالب بإيجاد مكان ليقيم فيه المسيحيون صلواتهم.. حتى ولو بلغ عددهم 150 شخصا فقط، لئلا يضطروا لاتخاذ شقة كمقر للصلاة، وتبدأ سلسلة المشاكل التي تتبعها! فهذا يعني أنه يفهم مشاكل شعبه، ويفهم طريقة حلولها في مواجهة البيروقراطية المصرية.. المتسببة في المشاكل أحيانا. كما يعلم ما هو الأسلوب في التعامل مع القضية الطائفية التي نعاني منها على مدار الخمسين عام الماضية..