التصوف الإسلامي : تعريفه ونشأته
التصوف الإسلامي جزء أساسي في التراث الإسلامي ، والاهتمام بالتصوف قديم، تناوله المؤرخون والعلماء العرب والمسلمون كالطوسي، والكلاباذي، والقشيري وغيرهم، كما ألف فيه الفلاسفة كابن سينا والغزالي وابن خلدون، وتجادل فيه الفقهاء وعلماء الكلام إضافة إلى جهود المستشرقين. ولم يتفق هؤلاء على رأي واحد سواء تعلق الأمر بحدوده أو أصوله فاختلفت الآراء والمشارب حوله. فالتصوف ليس ظاهرة إسلامية خاصة بل إن جذوره وعروقه تمتد في أي فكر ديني عموماً، حتى إن كثيراً من الدارسين ربطه بأصول غير إسلامية كالمسيحية والهندية والفارسية والفلسفة اليونانية. بينما يرفض رأي آخر هذه الصلات جملة وتفصيلاً ويرده إلى أصوله الإسلامية ومنابعه الأولى القرآن والسنة.
كثرت الأقوال في اشتقاق التصوف عند المسلمين على عدة أقوال، أشهرها:
أنه من الصوفة، لأن الصوفي مع الله كالصوفة المطروحة، لاستسلامه لله تعالى.
أنه من الصِّفة، إذ أن التصوف هو اتصاف بمحاسن الأخلاق والصفات، وترك المذموم منها.
أنه من الصُفَّة، لأن صاحبه تابعٌ لأهل الصُفَّة الذين هم الرعيل الأول من رجال التصوف (وهم مجموعة من المساكين الفقراء كانوا يقيمون في المسجد النبوي ويعطيهم رسول الله ﷺ من الصدقات والزكاة طعامهم ولباسهم).
أنه من الصف، فكأنهم في الصف الأول بقلوبهم من حيث حضورهم مع الله؛ وتسابقهم في سائر الطاعات.
أنه من الصوف، لأنهم كانوا يؤثرون لبس الصوف الخشن للتقشف والاخشيشان.
أنه من الصفاء، فلفظة "صوفي" على وزن "عوفي"، أي: عافاه الله فعوفي، وقال أبو الفتح البستي:
تنازع الناس في الصوفي واختلفوا وظنه البعض مشتقاً من الصوف
ولست أمنح هذا الاسم غيرَ فتى صفا فصوفي حتى سُمي الصوفي
أنها في الأصل صفوي، ونقل ذلك الطوسي أبو نصر السراج، في كتابه الذي يعد أقدم مرجع صوفي، عن صوفي فقال: (كان في الأصل صفوي، فاستثقل ذلك، فقيل : صوفي – وبمثل ذلك نقل عن أبي الحسن الكناد : هو مأخوذ من الصفاء).
بينما أرجع البعض اسم "التصوف" إلى رجل زاهد متعبد في الجاهلية كان يلقب ب (صوفة) واسمه الغوث بن مر بن أد، كما أشار الزمخشري في أساس البلاغة والفيروز آبادي في قاموسه المحيط إلى أن قوماً في الجاهلية سموا بهذا الاسم وكانوا يلون إجازن الناس بالحج في مكة ومن تشبه بهم سمي صوفي.
ومنهم نشأت طبقة المتحنفين مثل ورقة بن نوفل.
المستشرقين يرون أن كلمة صوفي مأخوذة من (صوفيا) اليونانية بمعنى الحكمة وعندما فلسفت العرب عبادتهم حرفوا الكلمة وأطلقوها على رجال التعبد والفلسفة الروحية، أو مأخوذة من (ثيوصوفيا) بمعنى الإشراق أو محب الحكمة الإلهية.
بسبب المشابهة الصوتية بين كلمة (صوفي) والكلمة اليونانية (صوفيا)، وكذلك لوجه الشبه الموجود بين كلمة (تصوف)، (تيوصوفيا)، وأن كلمتي صوفي وتصوف أخذتا من الكلمتين اليونانيتين (سوفيا) و(وتيوسوفيا) وبهذا الرأي أخذ محمد لطفي جمعة إلا أن نولدكه أثبت خطأ هذا الزعم كما أيده في ذلك نيكلسون، وماسينيون، وبالإضافة إلى البراهين القوية الأخرى التي أقامها نولدكه، فإنه يدلل على أن (س) اليونانية نقلت إلى العربية كما هي سينا، لا صادا كما أنه لا يوجد في اللغة الآرامية كلمة تعد واسطة لانتقال سوفيا إلى الصوفي).
فهذا هو الاختلاف الواقع في أصل لفظة التصوف واشتقاقها، ولذلك اضطر الصوفي القديم علىّ الهجويري المتوفى سنة 465 هـ إلى أن يقول : (إن اشتقاق هذا الاسم لا يصح من مقتضى اللغة في أي معنى، لأن هذا الاسم أعظم من أن يكون له جنس ليشتق منه).
وبمثل ذلك قال القشيري في رسالته : (ليس يشهد لهذا الاسم من حيث العربية قياس ولا اشتقاق).[9] كما أنه مما لاشك فيه أنه لا يصح ولا يستقيم اشتقاقه من حيث اللغة إلا من الصوف، ولو أنه هو اختيار الكثيرين من الصوفية وغيرهم كالطوسي، وأبي طالب المكي، والسهروردي وأبي المفاخر يحيى باخرزي، وابن تيمية، وابن خلدون من المتقدمين. وأرجح الأقوال وأقربها إلى العقل مذهب القائلين بأن الصوفي نسبة إلى الصوف، وأن المتصوف مأخوذ منه أيضا، فيقال : تصوف إذا لبس الصوف)
كثرت الأقوال أيضا في تعريف التصوف تعريفا اصطلاحيا على آراء متقاربة، كل منها يشير إلى جانب رئيسي في التصوف، والتي منها:
قول الشيخ زكريا الأنصاري : التصوف علم تعرف به أحوال تزكية النفوس، وتصفية الأخلاق وتعمير الظاهر والباطن لنيل السعادة الأبدية.
قول الشيخ أحمد زروق: التصوف علم قصد لإصلاح القلوب وإفرادها لله تعالى عما سواه. والفقه لإصلاح العمل وحفظ النظام وظهور الحكمة بالأحكام. والأصول "علم التوحيد" لتحقيق المقدمات بالبراهين وتحلية الإيمان بالإيقان.
وقال أيضا: وقد حُدَّ التصوف ورسم وفسر بوجوه تبلغ نحو الألفين، مرجع كلها لصدق التوجه إلى الله، وإنما هي وجوه فيه.
قول الإمام الجنيد: التصوف استعمال كل خلق سني، وترك كل خلق دني.
قول الإمام أبو الحسن الشاذلي: التصوف تدريب النفس على العبودية، وردها لأحكام الربوبية.
قول الإمام ابن عجيبة: التصوف هو علم يعرف به كيفية السلوك إلى حضرة ملك الملوك، وتصفية البواطن من الرذائل، وتحليتها بأنواع الفضائل، وأوله علم، ووسطه عمل، وآخره موهبة