( أُمتنا لاتعرف كَيفَ تَتَوحد)
إننا اليوم في أمسّ الحاجة إلى تِلك العقلية التي تُؤمن بِمزاج التَعايش والتَسامح والانفِتاح بَدل الإقصائية والحصرية والإنغلاقية والنزعة الإستحواذية ، نحن نُؤذِّن ونَقول الله أكبر، نُصلي وفي كُل رَكعة نَقول الله أكبر، الله أكبر مِن كَل هَذه الأوهام، الله أكبر من أن يَستحوذ على تَمثِيلِهِ والنُطق بإسمه وبِوحيهِ جَماعة أو فِرقة.
فأُمتنا هي الأمة المرحومة ، والتي لها عند الله سبحانه وتعالى منزلة عظيمة ، وقد رفعها الله بفضله وجعلها أُمة وسطا ، وخصها بفضائل لمْ ينلها أَحد من العالمين ، ورغم كل هذه الفضائل العظيمة والخصال النبيلة فهي مازالت (أُمة لا تعرف كيف تتوحَّد ) .
وبرغم أن ربَها واحد وكِتَابَها وَاحد ونبِيها وَاحد وأَصُول الإعتقاد فيها واحدة ، وعَلى رَغم إختلافهم هذا فَهُم جَميعا مُذعِنٌون مُوقِنٌون بأنه لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمداً عبده ورسوله وأن هذا الكتاب الكريم هو كلمة السماء الأخيرة إلى البشرية ، هم يُؤمِنون إذن بالله ورسله وكتبه وملائكته واليوم الآخر والقدر، كُلهم يَفعَلون.. فَفِيمَ يَختَلِفُون؟ وفِيمَ يَتَكَافَرون؟ وفِيمَ يَتَبَاغَضُون؟.
ألا يَكفى كُل مَا سَبق مِن وحدة الإله الواحد الذى لا شَريكَ لهُ وَوِحدة النبي الواحد والكتاب الواحد ألا يكفى كُل ما سبق أن يَجمعنا وأن تتوحد كَلمتُنا وأن نَطمُر هذا الفكر العقيم الذى يَعتقد أنه وحده من يَمتلك الحق المطلق وأنه المفوض عن السماء والحكم على قلوب ونِيات العباد ، فَمَن وافقهم فَهُوَ مِن أهل الإيمان المُبَشر بِجنات تجرى مِن تحتها الأنهار وأن كُل ذَلة مُنه مُبرَرَة ، وأن مَن خَالفهم الرأى فَهو عَمِيل زِندِيق ، ينثرون الرحمات على مَن شاءوا ويَصبون اللّعنات على من خالفهم وقد صدق فيهم قولهِ ويكأنهم يقسمون رحمة ربك.
فإننا جميعا نعتقد قولًا واحداً لاريب فيه أنه لا وحى بعد النبي صلى الله عليه وسلم ، لكن هُناك مَن سَمحَت لهم أهوائَهُم الفاسدة أن يتحدثون بإسم السماء وبإسم الله وبإسم المُقدَّس، يتحدَّثون عن الدين وكأنه ملكية خاصة لهم، فمن حقهم أن يُدخِلوا فيها مَن شاءوا وأن يَطردوا مِن مِلكيتهم مَن شاءوا، يَدّعون أنهم مُتدينون فأين هُم مِن رَوح الدين وهم تسطو بهم أو مسطورٌ بهم من طرف نزعة إستحواذية أفهمتهم وأقنعتهم أنهم الأولى بالله المُمثِّلون عنه سبحانه وتعالى.
وللإسف أن بعض الناس توهَّموا فيهم القداسة ، يتحدثون عن الإسلام وبإسم السماء بِفهم وبِطريقة إنغلاقية لاهَمّ لهم ولاهدف إلا تأزيم واقعنا وتوسيع الفرقة والخلاف بين المسلمين وإعلاء أصوات التبديع والتفسيق والبِغضة والسباب والشتائم وَهتك أعراض الناس والتشكيك في ذممهم وأماناتهم والكذب عليهم والإفتراء عليهم ثمّ يتعدى الأمر إلى التكفير واستباحة الدماء.
وبِمُبرر مُحاربة البدع وإحياء قضايا أكل الزمن عليها وشرب يخرجونَ لنا ويقولون أجمعوا وأطبقوا على صحة رأيهم إمعاناً في تفريقنا، إمعاناً في تكريه بَعضُنا لبعض.
هؤلاء نَشروا ويَنشرون ثَقافة حَملت كَثيرين مِنهم للأسف الشديد على إخترام النصوص والنقول، فالواحد مِنهم يَختَرم بِمعنى يَنقل نِصف الكلام ويَترك نصفه، يَنقل أجزاء منه ويترك أجزاءاً لا تشهد له، وهذا إسمه الإخترام، بل أن العصبية حَملتهم على البُهتان والفري والكذب بِحيث يَنسب إلى الآخرين مَا ليس فِيهم.
لابد أن نَفيق مِن غفلتنا أنه لا عصمة لأحد ولاقداسة لِأَحد بَعد النَبي صلى الله عليه وسلم وأنه لا يوجد مَن يَمتلك رَحمة الله بين يديه لا أحد ناطق عَن السماء وبإسم السماء مُفوض عنها علينا ألا نُغالى في التقديس كما إننا أيضاً علينا ألانُغالى في البُغض والكراهية.