ماذا يليق بالمسلمين اليوم ؟
المدقق في حال الأُمة اليوم على المستوى الفردي أو على مُستوى الشعوب أو حتى على مستوى المجموعات يَجد العجب ، فأصدقاء اليوم أعداء بعد ساعة ، بشكل دراماتيكي يُثير العجب والإستغراب.
ولو تأملنا جذور هذا العداء المتقلب المزاج فإننا سوف نقف على حقيقة واحدة وراء ذلك ألا وهى إننا لانُحسِن إدارة خِلافَاتِنا على الرغم من أنه طبيعي أن نختلف وطبيعي أن نتباين.
لكن للأسف من أسوء ما يُمكِن أن يُبتلى به المرء هو ألا يلحظ أن سنة الله في خلقه الإختلاف والتباين والتنوع ، وألا يلحظ إلا نفسه ثُم يَختصر الكُل في نَفسهِ، فهذه لاشك نرجسية قاتلة ، وهى كما تُصيب الأفراد فإنها تُصيب الشُعوب والتنظيمات والطوائف والمذاهب والجماعات والحركات فلا تَرى إلا نفسها ولا تَسمع إلا صَوتَها.
يَظنون أنهم يمتلكون الحقيقة كلها ويعتقدون أن الحق عندهم وبين أيديهم ، ولذلك عليك أن تتطابق معهم ، وإن لم تتطابق فأنت مُبطِل وملعون ومطرود من جنة الحق والمعرفة ومن رحمة الله معاً ، وفي الحقيقة هذه وثنية لأن الحقيقة المُطلَقة الكاملة التامة الناجزة عند الله وحده.
فكما ينقصنا حسن إدارة إختلافنا وخلافاتنا أيضاً ينقصنا مزيد من البحث عن الحقائق بل مُواصَلة البحث الدائم ، (وهذا هو الذي يليق بالبشر قبل أن يليق بالمسلمين وحدهم).
فنحن في نهاية المطاف بَشر، قال سُبحانه وتعالى { وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ } وقال أيضاً {وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا }.
لذلك العَالِم الذي لا يَتعلَّم ولا يُعلَّم هو واحد فقط لا إله إلا هو، يا عالماً لا يُعلَّم ، هكذا نُخاطِبه في تضرعنا سبحانه وتعالى منزه عن النقائص كلها ، فالنبي محمد صلى الله عليه وسلم الذي هو أعظم الأنبياء كان لا يَعلم كُل شيئ ، فعلمه محدود يليق بِبَشر، ولكنه بَشر عَظِيم جداً بل أعظم البشر ولكنه محدود في النهاية إلى جانب علم الله ، هو لا شيئ في علم الله ، كنقرة عصفور في يمٍ مُتراطِم عجاج مُترامي.
وكما ينقصنا حُسن إدارة خلافنا والإعتراف بتواضع علمنا المحدود والذى سبقنا اليه العالم الآخر المُتقدِّم بل وقد قطع أشواطاً بعيدة وذهب إلى أمداء مُتنائية جداً في إدارة خلافاته والبحث العلمي فإننا نحتاج أيضاً إلى نظرة إنصاف وعلمية وواقعية وموضوعية إلى الآخرين ، لا نظرة مُتحجِّرة جامدة حصرية مُتبجِّحة وبعيدة جداً من العدل والإنصاف والتواضع والرحمة ، نَنظر إلى كل مَن عَدانا وكل مَن سُوانا على أنهم خارج دائرة الحق والعلم بل ويذهب بهم الشطاط الى الحكم على قلوب الناس ونواياهم أو التصريح أنهم لا قيمة لهم عند الله لا في الدنيا ولا في الآخرة .
ينقصنا كما أوجز شيخنا محمد الغزالي رحمه الله في كتاب هموم داعية نُريد ثقافة تجمعنا ولاتفرقنا وترحم المخطئ ولاتتربص به الدوائر وترقى الى الموضوع ولاتتهارش على الشكل ولا أدرى لماذا لا نؤثر العمل الصامت المنتج بدل ذلك الجدل العقيم.
فتلك الثقافة التي إجتاحت عالمنا الإسلامي مؤخراً أنتجت وتُنتج عُقولاً مُتورمة مُنتفخة تَملأ حَيزها فلاتَسع الآخرين بحيث لا يُبقى مكاناً ولا مساغاً لهم في أنحاء نفسه وفي طياتها وفي ساحة قلبه ، فهو لا يعرف إلا نفسه ولا يَدُور إلا حول نفسه ، ومن هنا تأتي الكارثة وعلى جميع المُستويات، لأنه لم يبق لديه مساغٌ لكي يرى أحداً أو يحنو على أحد أو يشعر بمأساة أحد ، فقط هي أطماعه وطموحاته وهلاوسه وجنوناته التي سطت به ، لكن الإيمان وحده يُنقِذكم مِن هذه البلية، معرفة الله وحدها هي إكْسير ودواء ورُقية مِن هذا الجنون لهذا الداء العياء الذي تُعاني منه أُمتنا اليوم .