حين يعاقبنا القدر بما تمنينا
أحيانا يا صديقي لا تكون العقوبة قاسية لأنها مؤلمة
بل لأنها تشبه الحلم الذي انتظرناه طويلا ثم اكتشفنا أنه كان فخا متنكرا في هيئة أمنية
نظن أننا نحصل على ما نريد فنفرح
لكننا لا نعلم أن القدر يبتسم حينها ابتسامة يعرف وحده معناها
كأنه يقول ستعرف بعد قليل ما طلبت حقا
كم من أُمنية سعينا خلفها بكل شغف
بكل ما فينا من لهفة من تعب من صدق ودموع
وحين أتت لم نعرفها
كانت تشبهها في الشكل
لكنها تختلف في الطعم
في التفاصيل في النتيجة
وكأن القدر أراد أن يخبرنا أننا لا نحسن الدعاء
ولا نفهم ما نطلب
حين يعاقبنا القدر بما تمنينا
نشعر كأن السماء استجابت على سبيل التجربة لا الرحمة
ترسل لنا ما طلبناه
ثم تتركنا نكتشف أننا أخطأنا في التمنى
ندرك متأخرين أن بعض الأماني كانت جميلة من بعيد
كقمر في السماء
لكننا حين اقتربنا منه احترقنا بنوره
نطلب حبا فيأتينا مؤلما
نطلب استقرارا فيأتي على هيئة سكون يميت القلب
نطلب عودة الغائب فيعود غريبا
نطلب شيئا نعتقد أنه خلاصنا
فإذا به وجعنا الأكبر
يا للعقاب الجميل حين يكون في صورة ما تمنينا
ذلك النوع من الألم الذي يعلمك أكثر مما يؤذيك
الذي يجعلك تنظر للأمنيات القادمة بحذر ووعي
يجعلك تدرك أن النضج لا يأتي من العمر
بل من الخيبات التي لبست ثوب الفرح في بدايتها
كم مرة قلت في نفسك ليتني لم أتمن شيئا
كم مرة اكتشفت أن أجمل ما حدث لك هو ما لم يحدث
أن تأخر بعض الأمور كان رحمة لا عقابا
لكننا لا نرى الرحمة إلا بعد أن ينهكنا الألم
ولا نفهم الرسالة إلا حين يصبح الماضي درسا
حين يعاقبنا القدر بما تمنينا
ندرك أن الله لا يمنع عنا الأشياء عبثا
وأن بعض الأبواب المغلقة كانت نجاة
ندرك أن التوقيت الإلهي أدق من رغباتنا
وأن الحكمة أوسع من فهمنا الضيق
لكننا بشر
نريد الآن نريد ما نحب
حتى لو لم يكن لنا فيه خير
يا صديقي
الأمنية التي تحبها اليوم قد تصبح غدا لعنتك
والشيء الذي ظننته خلاصًا قد يكون قيدك الأثقل
لهذا لا تطلب من القدر أن يعطيك ما تريد
بل أن يمنحك ما تستحق
وأن يبعد عنك ما يبكيك ولو أحببته
حين يعاقبنا القدر بما تمنينا
نصبح أكثر حكمة وأكثر هدوءا
نتوقف عن الركض خلف كل جميل
ونبدأ ندرك أن الجمال لا يعني الراحة
وأن الوفرة لا تعني السعادة
ندرك أن بعض الأمنيات كانت دروسا في هيئة مكافأة
وأن كل نعم لم نكن نستحقها وقتها
تحولت إلى لا من السماء لحمايتنا
وفي آخر الوجع
حين نخرج من خيباتنا متعبين لكن واعين
نبتسم رغم المرارة
ونهمس لأنفسنا الحمد لله على ما لم يحدث
لأننا أدركنا أخيرا أن النجاة ليست دائما في الوصول
بل أحيانا في الفقد
في الرجوع خطوة إلى الوراء
وفي إدراك أن كل ما تمنيناه لم يكن يناسبنا
بل كان درسا قاسيا نحتاجه لننضج
فحين يعاقبنا القدر بما تمنينا
لا نلعنه
بل نشكره على عدله الخظ٣في
على رحمته التي لبست قناع الألم
وعلى دروسه التي تؤلم اليوم لتنقذنا غدا



















