رئيسة وزراء إيطاليا بين واقعية السيسي ودهاء ترامب

تلتئم جراح الحرب في غزة ويعلو في الأفق صوت الإعمار بعد تحت ركام المدينة وجاء موقف رئيسة وزراء إيطاليا جورجا ميلوني ليعكس تحولًا مهمًا في الموقف الأوروبي من الصراع تحول من الحذر إلى الفعل ومن التصريحات الباردة إلى التعهد بالمشاركة في البناء التقت ميلوني الرئيس عبد الفتاح السيسي في شرم الشيخ لقاء لم يكن بروتوكوليًا بل سياسيًا بامتياز الكلمات عن إعادة إعمار غزة لم تعد شعارات بل عناوين لمرحلة جديدة بدأت ملامحها تتشكل تحت المظلة المصرية
أدركت إيطاليا التي عاشت سنوات طويلة على هامش السياسة الشرق أوسطية أن من يريد مكانًا في المعادلة القادمة عليه أن يدخل من البوابة المصرية وشرم الشيخ أصبحت كما كانت يومًا كامب ديفيد عاصمة القرار والسلام في الشرق الأوسط جاءت ميلوني وهي تعرف أن مصر السيسي ليست مصر البيانات بل مصر الفعل الميداني فوقف إطلاق النار لم يأت من فراغ بل من تنسيق محكم وضغط سياسي ودبلوماسي أدارته القاهرة بحنكة جعلت واشنطن وأنقرة والدوحة على طاولة واحدة
تحدثت ميلوني في لقائها بالسيسي عن التنمية والاستقرار بنفس القدر الذي تحدثت فيه عن السياسة وكأنها تدرك أن الإعمار ليس مجرد بناء حجر بل بناء ثقة في مستقبل جديد لشعوب أنهكتها الحرب والانقسام هذا الفهم الواقعي يجعل إيطاليا مرشحة لتكون شريكًا اقتصاديًا وإنسانيًا في مشروع إعادة إعمار غزة الذي بدأ يتشكل كأكبر تحالف إنساني في المنطقة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية
نجح الرئيس عبد الفتاح السيسي مرة أخرى في جعل الدبلوماسية المصرية منصة توازن بين المتناقضات تحدث إلى الغرب بلغة العقل وإلى الشرق بلغة المصالح وإلى الفلسطينيين بلغة الأخوة واضعًا الجميع أمام حقيقة واحدة لا أمن في المنطقة بدون سلام ولا سلام بدون عدل ولا عدل بدون دولة فلسطينية مستقلة
واصل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لعب دور المحرك الدولي في لحظة يحتاج فيها العالم إلى قرار وليس إلى خطب عاد ترامب إلى المسرح من بوابة شرم الشيخ أكثر واقعية وأكثر إدراكًا لحدود القوة الأمريكية وأكثر قناعة بأن الشرق الأوسط لا يُدار بالعقوبات ولا بالصواريخ بل بالصفقات والتفاهمات التي تحفظ ماء الوجه للجميع
جاء اللقاء المصري الإيطالي على هامش القمة كإشارة رمزية لما بعد الحرب وأكد أن القضية الفلسطينية لم تعد عبئًا سياسيًا بل فرصة اقتصادية وإنسانية كبرى لإعادة صياغة علاقات المنطقة ومصر مرة أخرى في قلب الحدث تمسك بالخيوط وتعيد ترتيب الأوراق لتؤكد أن من أراد سلام الشرق فعليه أن يمر عبر القاهرة
أعلن حديث ميلوني عن الإعمار بداية مرحلة جديدة وضمن حديث السيسي عن السلام استمرارها وأقر حديث ترامب عن القيادة أن العالم بلا مصر لا يعرف طريق الاستقرار وفي كل ذلك بقيت غزة الاختبار الحقيقي لصدق النوايا الدولية فالإعمار هذه المرة لن يكون بالإسمنت وحده بل بالإرادة السياسية التي طال انتظارها