هل تُرفع الأعمال يوم عرفة؟ وماذا عن المتخاصمين؟

يتداول بعض الناس عبارة: "ترفع الأعمال إلى الله يوم عرفة إلا المتخاصمين"، ويُروى هذا الكلام على أنه حديث نبوي. لكن الحقيقة أنه لا أصل لهذا الحديث، لا لفظًا ولا معنى، في كتب السنة المعتبرة، ولم يرد عن النبي ﷺ أي حديث بهذا النص أو المعنى.
وقد اتفق أهل العلم من المحدثين على ضرورة التحري والدقة في نسبة الأحاديث للنبي ﷺ، لقوله صلى الله عليه وسلم:
"من كذب عليَّ متعمدًا فليتبوأ مقعده من النار" (رواه البخاري ومسلم).
رفع الأعمال في يوم عرفة
لم يرد في السنة نصٌ صريح بأن الأعمال تُرفع إلى الله تعالى تحديدًا في يوم عرفة.
أما رفع الأعمال بشكل عام، فقد ثبت في أحاديث صحيحة أن الأعمال تُعرض على الله في مواسم وأوقات معينة، منها:
عرض يومي: كما في الحديث:
"يُرفع إليه عمل الليل قبل عمل النهار، وعمل النهار قبل عمل الليل" (رواه مسلم).
عرض أسبوعي: قال ﷺ:
"تُعرض الأعمال يوم الاثنين والخميس، فأحب أن يُعرض عملي وأنا صائم" (رواه الترمذي).
عرض سنوي: قال الحافظ ابن رجب: "يظهر من مجموع الأحاديث أن رفع الأعمال يكون يوميًا وأسبوعيًا وسنويًا".
لكن لم يُخصص يوم عرفة بأنه يوم رفع للأعمال، وإن كان من أعظم أيام السنة، والعمل فيه مضاعف، والدعاء فيه مستجاب، كما قال ﷺ:
"خير الدعاء دعاء يوم عرفة، وخير ما قلت أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير" (رواه الترمذي).
ماذا عن المتخاصمين؟
أما الحديث الصحيح في شأن المتخاصمين، فهو ما رواه مسلم:
"تُفتح أبواب الجنة يوم الاثنين ويوم الخميس، فيُغفر لكل عبد لا يُشرك بالله شيئًا، إلا رجلًا كانت بينه وبين أخيه شحناء، فيقال: أنظِروا هذين حتى يصطلحا، أنظِروا هذين حتى يصطلحا، أنظِروا هذين حتى يصطلحا".
وهذا يدل على أن المتخاصمين محرومون من مغفرة الله في كل اثنين وخميس، وليس في يوم عرفة فقط.
خلاصة المسألة بالأدلة الأربعة:
القرآن: أمر بالإصلاح بين المتخاصمين، قال تعالى:
"إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم" [الحجرات: 10].
السنة: الحديث السابق في منع مغفرة الذنوب لمن بينه وبين أخيه شحناء.
الإجماع: أجمع العلماء على وجوب التحري في نسبة الأحاديث للنبي ﷺ، وتحريم الكذب عليه.
القياس: كما تُرفع الأعمال في أوقات مخصوصة، فإن بُعد القلوب والتشاحن يحجب القبول، قياسًا على أثر الشحناء في منع المغفرة في الأوقات الثابتة.
رسالة أخيرة:
إذا كنا نرجو أن يغفر الله لنا ذنوبنا في يوم عظيم كيوم عرفة، أو في أي وقت من أوقات رفع الأعمال، فلابد أن نُقبل على الله بقلوب صافية، ونتسامح ونتصالح، لأن البغضاء تحرمنا من أعظم أبواب الرحمة.