من أحرق كنز البشرية؟ لغز مكتبة الإسكندرية المفقود

فى قلب الإسكندرية على شواطئ البحر المتوسط وقفت ذات يوم منارة لم تضىء البحار بل عقول البشرية. مكتبة الإسكندرية ذلك الحلم الذى نسجه بطليموس الأول سوتير لم تكن مجرد أرفف تحمل المجلدات بل كانت معبدًا للمعرفة حيث تآلفت حكمة اليونان وأسرار مصر القديمة فى سيمفونية ثقافية لا تُضاهى. لكن، كما تُشعل النار كانت المكتبة جوهرة الإسكندرية مقسمة بين قصرين من المعرفة: المكتبة الكبرى فى حى البروكيوم الملكى والصغرى فى معبد السرابيوم بحى كرموز. مئات الآلاف من المجلدات ربما نصف مليون أو أكثر احتضنتها جدرانها. كتب جُمعت من أصقاع العالم، تُرجمت ونسخت بعناية بل وصودرت أحيانًا من سفن رست فى الميناء. كانت هذه المكتبة قلب العالم القديم النابض، حيث التقى أرسطو بإقليدس وهمست أشعار هوميروس فى أذنى أرخميدس.
من أشعل النار
1. يوليوس قيصر: النيران العَرَضية (48 ق.م) فى خضم صراعه مع بطليموس الثالث عشر، أضرم قيصر النار في الأسطول المصرى. لكن الرياح الخائنة حملت اللهب إلى المدينة فالتهمت مخازن الكتب فى البروكيوم. هل كانت نهاية المكتبة؟ بلوتارش يروى عن دمار هائل، لكن سترابو يهمس أن المكتبة استمرت جريحة لكنها حية. النار لم تكن كافية لإخماد شعلتها... بعد.
2. أورليانوس وثورات القرن الثالث: الخراب البطىءفى القرن الثالث الميلادى عصفت الحروب الأهلية والاضطرابات بالإسكندرية. أورليانوس الإمبراطور الرومانى واجه تمردًا فتحولت المدينة إلى ساحة قتال. هل سقطت المكتبة ضحية هذا العبث؟ لا أدلة مباشرة لكن الزمن بدأ يكتب فصول النهاية وكل صراع كان يسرق قطعة من روحها.
3. ثيودوسيوس والمسيحية: الاتهام المغلوط (391 م)
مع صعود المسيحية وإعلان الوثنية خارجة عن القانون دُمّر معبد السرابيوم. انتشرت أسطورة أن المكتبة احترقت معه. لكن الحقيقة تتحدى الرواية: الحفريات لا تُظهر آثار حريق كبير والمدرسة الفلسفية ظلت مزدهرة حتى القرن الخامس. إبيفانيوس وأوروسيوس بأقلامهما يؤكدان: المكتبة لم تُدمّر بعد.
4. الفتح الإسلامى: أسطورة عمر بن الخطاب إن كانت هذه الكتب تغنى عن القرآن فهى مضلة وإن كانت تُوافقه فهى زائدة! هكذا تقول الأسطورة التى نُسبت إلى عمر بن الخطاب أمر بها عمرو بن العاص بحرق المكتبة. لكن هذه القصة التى لم تظهر إلا بعد ستة قرون على يد عبد اللطيف البغدادى تفتقر إلى أى سند معاصر. المؤرخون المسلمون الكبار كالبلاذرى وابن عبد الحكم لم يذكروها. حتى يوحنا النقيوسى المسيحى لم يشر إليها. إنها حكاية نسجتها الأجيال لا التاريخ.
الحقيقة تحت الرماد
مكتبة الإسكندرية لم تُمحَ فى ليلة واحدة ولم تُلقَ فى النار بيد واحدة. كانت ضحية زمن طويل من الإهمال حروب متتالية وصراعات سياسية ودينية. قيصر أشعل شرارة والحروب أكلت الأطراف والإهمال أطفأ ما تبقى من نورها. الاتهامات طالت الجميع