دكتور محمد توفيق يكتب : فى ذكري ثورة 30 يونيو
للأمم أيام تمجدها ؛ وللشعوب اعياد قومية تحرص علي احيائها - هي من نتاجها ، وفى ذا التمجيد وذلك الاحياء تجد الاوطان وشعوبها فرصة طيبة لاستذكار جهود الماضي والتحدث عن كفاح الاجيال من اجل الحرية وكرامة الحياة ؛ فضلا عما فى احياء هذه الاعياد وتلك الايام من بث روح الاعتزاز بالنفس، مما يجعلها تشعر بعظم الامانة الملقاة علي عاتقها فى رعاية المكاسب و استكمال الرسالة نحو بناء وطن قوي متماسك تسوده الرفاهية وترفرف علي ابنائه روح التعاون والسعادة
وتعد ثورة 30يونيو من ايامنا القومية المجيدة و الوطنية الخالدة ، وقبل ان نتعرض لطبيعة هذه الثورة- التي نحيا فى ظلالها - لابد من الاشارة الي ان انها ثورة ذات طبيعة خاصة بكل ماتحمله الكلمة من معني وحتي يتسني التأكيد علي طبيعة هذه الثورة لابد من التميز بين ثلاثة مفاهيم هي علي الترتيب : مفهوم الانقلاب، ومفهوم الثورة ، ثم مفهوم استعادة الثورة ؛ حيث ان المفهوم الاول ؛ ماهو الا عبارة عن حركة محددة تقوم بها جماعة صغيرة لا ترتبط باي رابط بالقاعدة الشعبية للوطن ، وهي تستهدف اقصاء الحاكم ليحلوا محله دون محاولة منهم بتغيير جوهري فى المجتمع ، بينما يشير مفهوم الثورة الي كونه مفهوم اوسع افقا واكثر شمولا وابعد عمقا ، لانها لا تسعي الي تغيير حاكم باخر ،ولا تتخذ الوصول الي الحكم غاية في ذاته ، ولكنها تتخذ من الحكم وسيلة واداة لتحقيق اهداف كبري سامية اهمها خلق المجتمع خلقا جديدا ،وتحرير الوطن سياسيا واجتماعيا واقتصاديا ، وهي بذلك ولذلك تقابل بتاييد من الشعب لكونها نابعة منه وترمي الى تحقيق متطلباته ، اما مفهوم استعادة الثورة فهو مفهوم مركب يجمع مابين ثنايا ثورة سابقة وميلاد ثورة جديدة حيث يسعي اصحابها الي استمرار تحقيق اهداف الثورة(السابقة)- انقلب عليها جماعة لا تريد سوي الوصول الي الحكم فقط ؛ وتحقيق غايات خاصة بها دون اي اهتمام باهداف الثورة والوطن .
وعن ثورة 30 يونيو فهي ضمنيا ينطبق عليها 0 فى مهدها - مفهوم استعادة الثورة – استعادة ثورة 25 يناير - فضلا عن كونها - بما احدثته وتحدثه فى المجتمع المصري - فهي ثورة شاملة ؛ لكون النظام الذي تولي الحكم – نظام الاخوان - كان قد سرق الثورة من ثوارها الفعليين ، ولكون الوصول الي الحكم هدفه ؛ فقد ارتكب ثلة من الاخطاء من اجل الوصول اليه - بطرق لا تليق ، ومع وصوله للحكم لم يحقق مطالب الشعب وثورته ، ومما زاد الطين بلة ان تصرفاته المتراكمة اضحت غير مستساغة او مقبولة ؛ كان من اخطرها نظرته للوطن على انه حفنة من تراب وان اولوياته الشخصية مقدمة على اولويات الوطن فضلا عن تحكم المرشد فى قرارات رئيس الجمهورية والحكومة ؛ وتغلغله فى مفاصل الدولة الحيوية وغياب مفهوم المواطنة لديهم .
وعن المصري – كمواطن – فهو مواطن صبور وحمال آسية – كما يقال - ؛ الا انه في ذات الوقت مواطن ثوري بامتياز؛ حيث تكمن الثورة فى عروقه وتتخلل عظامه ويتنفس ارهاصاتها ولديه قرون استشعار تعينه علي التنبؤ بها ويعلم تماما انسب اللحظات المواتية للقيام بها ، وهو محب للحرية والكرامة وتحفل صفحات تاريخه بالكثير من الثروات المصرية التي تدل علي تفرده وتميزه وعبقريته
وعن تاريخ شعب مصر العظيم فهو تاريح حافل بالثورات – حيث ثار منذ القدم حتي اصبحت الثورية طابعا مميزا له وبذلك تعد ثورة 30 يونيو استطرادا وامتدادا طبيعيا لنضال الشعب المستمر وطاقاته المتجددة واماله البعيدة.
ومن حسن الطالع ان مصر بلد ولادة للابطال والثوريين - حيث انها كانت ومازالت وستظل تلد فى اللحظة الحاسمة الرجل الحاسم وكلما استدعت فترة ما وبحثت عن بطل وقائد فلابد وان تجده – فقد وجدت خلال تاريخنا الحديث والمعاصر الشيخ الدردير ثم السيد عمر مكرم واحمد عرابي ثم مصطفي كامل ومحمد فريد وسعد زغلول وجمال عبد الناصر فى فترات تاريخية مختلفة وفى ثورة 30يوليو كان عبد الفتاح السيسي 0 فى الزمان والمكان .
وعن نشاة اي ثورة فقد يظنون البعض انها تحدث فجأة ولاسباب ظاهرة مكشوفة غير ان الحقيقة ان ما من ثورة الا ولها اسباب دفينة وعميقة تتناسب فى اهميتها مع اهمية الحركة الثورية ذاتها من ناحية والاسباب الظاهرة والسطحية من ناحية اخري .
وقد كان لقيام ثورة 30 يونيو ردود فعل ايجابية حيث قوبلت برضا شديد من الشعب المصري بمحتلف اطيافه لعودة وطنهم اليهم بعدما ظل مسروقا منهم لمدة عام تقريبا- وان كانت البلاد كانت قد شهدت تصرفات لا يقبلها اي مواطن مصري محب لوطنه حيث تم الاعتداء على 42 كنيسة، وعشرات المنشآت والمدارس المسيحية، والمحال والبيوت المملوكة للأقباط فى شهر اغسطس 2013 فى محافظات المنيا وأسيوط والفيوم والجيزة والسويس وسوهاج وبني سويف وشمال سيناء, وذلك عقب فض اعتصامات الإخوان المسلمين فى القاهرة يوم 14 أغسطس 2013 .
كما انتشر- عقب الثورة - الارهاب الأسود فى مختلف ربوع الاراضي المصرية مع تركيزه فى شبه جزيرة سيناء – ولكن بفضل تماسك الشعب مع شرطته وجيشه تم القضاء عليه بالاعتماد علي محورين أساسيين: الأول هو محور الأمن الوقائي وتوجيه الضربات الاستباقية للتنظيمات الإرهابية وإجهاض مخططاتها، والثاني هو سرعة ضبط العناصر عقب ارتكاب الأعمال الإرهابية اعتمادًا على أحدث الأساليب العلمية والتكنولوجية في البحث والتحري.
واستمرارا للثورة وسعيا لتحقيق غايتها ومرماها فعلي الشعب المصري حتمية الحفاظ علي وطنه ودعم قيادته والتحلي بالعزيمة والتماسك ، والاصرار على تجاوز الازمات والعقبات وتحوبلهما الي فرص ؛ لاسيما فى هذه الفترة والظروف الصعبة - لاننا اصبحنا مستهدفين بشكل معلن وصريح ، فما يحدث فى المناطق المحيطة بنا والاقاليم المجاورة لنا من تدخل فى منابع النيل (مياهنا)و البحرين الاحمر والمتوسط (طاقتنا واقتصادنا) والتهاب المناطق الحدودية في شمالنا الشرقي(استقرارنا) ما هو الا تهديد صريح لهذا الوطن الذي لم يعد بالمنطقة سواه ؛ وسوف يظل مرابطا وثابتا فى وجه كل التحديات بفضل حفظ الله لكناته فى الارض ثم تماسك شعبه ووقوفهم خلف قيادتهم وحفاظهم على مقدراتهم من جيش وشرطة وموارد ومؤسسات ونظرة واحدة الى خريطة المنطقة تزيدنا اخلاصا وتمسكا بحتمية تماسك هذا الوطن الذي لا نملك سواه – لطبيعتنا الخاصة –حيث اننا شعب لا نصلح الا بالاقامة فى هذا الوطن ولا يصلح الوطن الا بنا ؛ ولنا ان نوجه لانفسنا سؤالا مفاده .اين ليبيا ؟ اين سوريا ؟ اين اليمن ؟ اين السودان ؟ اين فلسطين ؟ اين لبنان ؟ اين العراق ؟...فان كنت راضيا عما حدث للاشقاء من شعوب هذه الدول – ولا اظن ذلك – فمن غير الوارد ان تقبل ذلك لنفسك واهلك ووطنك ؛ لا لكونه وطن نعيش فيه ويعيش في قلوبنا و تنتمي اليه ؛ بل الى جانب ذلك اصبح وطنا وملاذا اخيرا لبعض من اهلنا من هذه الدول .