محمود سامح همام يكتب: الطموحات التركية في افريقيا
اكثر من نصف الحكومات الافريقية تعاني من مشكلات تتعلق بالسيولة الخارجية، بالإضافة الى الظروف الاقتصادية العالمية وتاثيرها غير المباشر على اقتصاد افريقيا وتكرار الكوارث الطبيعية، علاوة على ذلك كثرة النزاعات والعنف والصراعات الاهلية وعدوى الانقلابات العسكرية منذ عام ٢٠٢٠ في قلب وغرب القارة السمراء، وعلى الرغم من كل هذه المؤثرات إلا أن اقتصاد افريقيا وفقا لتقرير البنك الدولي بعنوان " نبض افريقيا " يشهد نمو مرتفع من ٢,٦ الى ٣,٤ بواقع ٢٠٢٤، كما أنه متوقع ارتفاعه لنسبة ٣,٨ بحلول عام ٢٠٢٥، هذا النمو الملحوظ لقارة تمتلك نحو ٦٥٪ من الموارد العالمية التي
يتم العمل على استغلالها، مما يجعل منها على الدوام محط انظار الدول الاستثمارية.
ومن هنا يمكننا طرح سؤال حول ماهية طموحات انقرة في القارة السمراء؟ وتفسير دلالات التقرب التركي من افريقيا؟
بداية، تتمتع تركيا بسياسة خارجية نشطة وديناميكية تهدف الى تعزيز مكانتها الإقليمية والدولية وتحقيق مصالحها القومية، وتعكس اهداف السياسة الخارجية لتركيا تحولات استراتيجية هامة منذ العقد الأخير، حيث شهد هذا العقد لتركيا مواقف مستقلة متغيرة بالإضافة الى الأدوار النشطة في القارة الافريقية،
وعلى غرار ذلك شاهدنا ديناميات دبلوماسية على اعلى مستوى بين تركيا ودول افريقية، وعلى اثر ذلك قفز عدد السفارات التركية في افريقيا من ١٢ سفارة في عام ٢٠٠٢ الى ٤٦ سفارة وقنصلية في عام ٢٠٢٣، وعلى الجانب الاخر ارتفعت التمثيلات الدبلوماسية الافريقية في تركيا الى ٣٧ سفارة في زمن اقل من عشر سنوات، بالإضافة الى جولات للرئيس التركي في قلب وغرب افريقيا عام ٢٠٢٢م، وكان اخر تلك الزيارات المتبادلة هي زيارة رئيس وزراء النيجر على محمد امين زين لانقرة يناير ٢٠٢٤م لتلبية دعوة الرئيس التركي رجب طيب اردوغان وتم في سياق هذه الزيارة تنسيق التعاون بين البلدين واستعراض العلاقات الثنائية بين تركيا والنيجر بمختلف ابعادها.
استكمالاً، وبتناول البعد الأمني العسكري والتبادل التجاري لتركيا في افريقيا، انتعاش التبادل التجاري بينهما تؤكده الأرقام وليس التصريحات فقط فالارتفاع الملحوظ لحجم التبادلات التجاري قفز من ٣ مليار دولار لسنة ٢٠٠٣ ليتجاوز ٥٠ مليار دولار لسنة ٢٠٢٣، وذلك على أثر امتلاك تركيا ل ١١٥٠ مشروع في افريقيا، علاوة على ذلك الانتشار العسكري التركي فالقارة اصبح واضحاً، فانتشارها التجاري سمح لها بتوقيع اتفاقيات امنية مع عدة دول افريقية ككينيا واثيوبيا واوغندا وتنزانيا لتدريب قوات امن هذه الدول لمكافحة الإرهاب والقرصنة، بالإضافة الى امتلاكها قاعدتان عسكريتان في الصومال والسودان، كما أن انقرة تنفرد ب ٣٧ مكتباً عسكرياً في ارجاء القارة السمراء، مما زاد من صادراتها العسكرية فاقريقيا من ٤١ مليون دولار الى ٣٢٨ مليون دولار.
وتبرز الاستراتيجية التركية كمحور مركزي لفهم التوجهات والاولويات لانقرة، حيث تقوم الاستراتيجية التركية على نظرية " العمق الاستراتيجي " وعلى رأسها تسعى انقرة لنشر نفسها في كل انحاء العالم باعتبار نفسها منتمية لكل مكان وليس في منطقة واحدة، ودليل على ذلك ان تطور العلاقات بين تركيا وافريقيا بهدف الدعم اللوجستي لخطوط الطيران التركية فاصبحت نقطة اتصال ل ٤٩ دولة افريقية، كما أنها أصبحت تتبع مسبقاً سياسات سلام استباقية لحل المشكلات قبل ان تتصاعد، ورأينا ذلك في مبادرة تركيا في عودة تطبيع العلاقات مع مصر بعد عقد من القطيعة معها، علاوة على ذلك أن تركيا تستور ٩٠٪ من احتياجاتها من النفط والغاز مما جعلها تسعى الى الحصول على احتياجاتها النفطية من المتطقة الافريقية التي تملك ١٠٪ من الاحتياطي العالمي للنفط.
ختاماً، تلك المؤشرات جعلت من تركيا تحتل المركز الرابع من بين الدول الأكثر تمثيلاً في القارة السمراء، ومن المرجح أن المرحلة القادمة ستكشف عن مدى قدرة تركيا على تحقيق توازن بين مصالحها الوطنية واحتياجات الدول الأفريقية، مما سيساهم في تشكيل مستقبل العلاقات التركية الأفريقية.