18:10 | 23 يوليو 2019

عبدالحى عطوان يكتب: الشيخ والمجذوب وصراع القرار (جزء ثالث)

12:48pm 27/04/24
صورة أرشيفية
عبدالحى عطوان

وقف الشيخ عبدالحميد حائرًا بين كل الأفكار التي تراوده وهو ينظر إلى عواد الذى لقبوه بالمجذوب، كيف تغيرت هيئته وعادت إليه ملامحه الطفولية بعدما اغتسل وبدل ملابسه البالية بمساعدة ابنه محمود، وتناول طعامه الذي أعدته له الحاجة زينب برغم ثورتها العارمة التي بدت على ملامحها دون أن تفصح عنها، فقد وضعته أمامه دون أن تقترب منه أو تحادثه، محاولة بشتى الطرق أن تضبط نفسها حتى لا تدخل في عراك مع الشيخ عبدالحميد، خاصة أن الفترة الأخيرة برغم التصاقهما ببعض، شهدت علاقتهما فتورًا كبيرًا ومشاحنات مستمرة كادت أن تعصف بحياتهما؛ لانحياز الشيخ إلى إخوته في تقسيم ميراث والدهم وعدم حصوله على حقه بالكامل؛ حيث انحاز إلى شقيقه الأصغر سالم تاركًا له الجزء الأكبر من الميراث، فظروفه صعبة ولم يتم زواجه حتى الآن، فلا مانع أن يضبط حياته ومستقبله بينما رأت زوجته أن تنازله أضاع حقوق أبنائها وبناتها.
قرر بعد صراع طويل داخله، لم يجد له تفسيرًا واحدًا سوى أنها دعوة قدرية، أن يتناقش مع أسرته في مستقبل عواد، وبالفعل جمع الكل حوله وطرح عليهم العديد من الأسئلة الحائرة داخله، من بينها أن يدعه بأحد بيوت الرعاية الطبية التي تناسب حالته، أو يتكفل بإقامته ويدعه بالمنزل الآخر الذى لا يقطنه أحد، حتى يستطيع أن يتعافى من فكرة نوم الشوارع  والحارات المبعثرة التى اعتاد عليها، والتي أدمنها وكأنها مخدر سيطر على كل تلابيب عقله، وهنا انطلقت ثورة الحاجة زينب المتراكمة بصدرها قائلة: "دعه يرحل من حيث جاء فأنا لدى ثلاثة من البنات أخشى أن يصيبهم مكروه بسببه، دعه يذهب حتى يهرب القلق الذى جعل النوم لا يلامس جفوني منذ قدومه"، وهنا قاطعها الابن محمود حتى يهدئ من غضبها وحدتها التي بدت على تقاسيم وجهها والتي أظهرت عليها علامات المشيب المُخبّئة، بآيات ربانية تحث على التكافل وإعانة الأيتام والمرضى وذوى الاحتياجات الخاصة، لكنها بصوت أكثر حدة لم تتقبل كل كلامه؛ فهي تضع نصب عينيها خوفها على بناتها فوق أي مبررات لوجوده، وبينما يراقب الشيخ عبدالحميد وجوه كل من حوله في انتظار أن تتفوه إحدى بناته بجملة يبدأ منها اتخاذ القرار.
لحظات ضرب فيها الصمت كل الأفواه وكأنه رسم الجميع لوحة مثل تلك التي نُزين بها حوائط منازلنا للعائلات التي تجلس متراصة تنظر لبعضها دون حديث، حتى صاحت أميمة البنت الكبرى، قائلة: "لماذا لا نتخذه طريقنا إلى الجنة، لماذا لا نكون أسرته، وقد أنعم الله علينا بنعم كثيرة فلا يضيرنا وجوده شيئا"، قاطعتها مديحة البنت الصغرى، وفى عينيها علامات الفرح بكلام شقيقتها، وكأنها وجدت ضالتها فى مشروع تستطيع أن تتربح منه ثوابًا: "عن طيب خاطر"، وسرعان ما انضمت خديجة، الشقيقة الوسطى، لآراء إخوتها مطمئنة الحاجة زينب بكلماتها التي نزلت على الجميع بالسكينة، بينما تابعهم الشيخ عبدالحميد فرحًا وهو يطل عليهم بنظراته وكأنه يراقب ثمار المحصول الذى عاش طيلة عمره يرويه، اتجه إليهم برأسه مدققًا عينيه ناحية تلك المرأة التي لازمته عمرًا، وتحملت معه قهر الحياة ومطالبها حتى صار يشفق عليها فى الآونة الأخيرة عند رؤية ظهرها الحاني، أو عند تناولها كمية الأدوية والمسكنات، التي باتت لا تستطيع أن تقضي يومها دون تناولها، ثم نطق بهدوء متلاشيًا علامات الدهشة والاستغراب التي سيطرت على الوجوه، مترقبة وجهة نظره وقراره قائلًا: "لقد أثلجتم صدري بحديثكم". 
هبّ الشيخ واقفًا مصطحبًا عواد بثيابة النظيفة وشكله الجديد  المهندم، متخذا قرار أعلنه على الجميع بإدخاله دار الرعاية الطبية الموجود بالمدينة فترة للنقاهة، متكفلًا بجميع النفقات والمصاريف اللازمة، وسارا معًا عبر طريق طويل كان الشيخ يقص خلاله الحكايات والتعليمات، بينما المجذوب يستمع بإنصات كأنه لأول مرة يشعر بالأمان، فترك أمره دون عناد وكأنه أراد أن يخلق لنفسه حياة جديدة غير التي اعتادها، فقد أحب خوف الشيخ عليه بل أعجبه شكله الجديد داخل هيئته وملابسه التي شعر أنها تحتويه، كأن ميلاده بدأ بلحظة ارتدائها، فقد أراد أن يتناسى نوم تراب الأرض وملازمة الفئران، وصلا إلى الدار وضغط الشيخ على جرس الباب ففتحت لهم فتاة، طلبت منهم الجلوس بصالة الانتظار حتى مقابلة المدير، كانت عيناه تتجولان بكل أركان الغرفة، تراقبان كل اللوحات المعلقة بالجدران، حتى سرت رعشة بتلابيب جسده، حاول الشيخ أن يهدئ من خوفه، يرتب على كتفه، دقائق مرت طويلة حتى أُذن لهم بالدخول، سرى حوار بين المدير والشيخ مدونًا كل البيانات، حيث وقّع الشيخ إقرار المسئولية الطبية والنفقات، وغادر عائدًا حيث تمتم داخله بكلمات وكأنه يناجي ربه بالشفاء..
 

تابعنا على فيسبوك

. .
izmit escort batum escort
bodrum escort
paykasa bozum
gazianteplie.com izmir escort
18 film izle erotik film izle
deutsch porn