18:10 | 23 يوليو 2019

عبدالحى عطوان يكتب: أرهقنا تمثيل الأدوار بإتقان

12:46pm 27/04/24
صورة أرشيفية
عبدالحى عطوان

 عبر نافذتي الصغيرة رأيته قادمًا مع شعاع الصباح، ولكن قدومه كان مختلفًا عن كل الأعوام السابقة فلم تصاحبه الفرحة التي كانت تغمرنا وتزين شبابيك منازلنا، فقد اختفت تقاليده التي كانت تتملكنا بل خيمت أشياء كثيرة على مشاعرنا، أخفقت معها بهجته بل طفت مواجعنا ليس فقط  الاجتياح أو الإبادة الجماعية ولا في المناظر الدامية لأطفال غزة أو برك الدماء التي تناثرت عبر الجثث والأشلاء، لكن حتى داخل جدران منازلنا خُطفت الفرحة من على وجوهنا، فقد صار يتملكنا القلق والخوف والرعب من غد توقفت معه خيالات طموحنا، بل باتت أقصى أحلامنا أن يمر اليوم برفق نعبر بتكاليفه عبر بوابة طلبات أطفالنا دون انكسار، باختصار أصبحت فروسية كل رجل أن يقتدر على أبسط الأشياء ويضع جانبًا كلمة العيد مضى أو جاء.
كان العيد قديمًا وعبر سنوات طويلة بمثابة يوم يتوقف عنده التاريخ تمامًا، كل شيء في قريتنا يصبح مختلفًا حتى نسمات الهواء كانت عبيرًا تغلفها السعادة وضجيج الضحكات يملأ منازلنا، يعود الغائبون لبيوتهم، تشم رائحة المعجنات واللحوم من كل شبابيك المنازل، تتزين الشوارع وتعج الطرقات ببائعي الحلو ومقدمي الألعاب والشماريخ تنطلق من كل النوافذ، بل كان صوت مذياع خالي موسي يصدح بأغاني عبدالحليم وسعاد حسني وصفاء أبو السعود ورقصات العيد ليصل إلى مسامع عدة شوارع وكأنه مكبرًا للصوت علق يوم أحد الأفراح، وسط كل هذا اعتاد زوج خالتي أن يضع عددًا كبيرًا  من الكراسي الخيزران وسط الشارع وأمام منزله ليجمع كل الشباب القادمين من الغربة حوله، يقدم لهم الحلويات والمشروبات مع رواية الحكايات والنكات ومبارزات العصى ولعب الورق، ببساطة كانت الفرحة والتفاف كل أب حول أسرته هو العنوان.
بينما أنا اعتدت منذ سنوات الطفولة أن أظل ليلة العيد يقظًا أتقلب في فراشي كثيرًا، وأحيانًا تأخذني أفكاري وأهب واقفًا ارتدي الملابس الجديدة التي حاكها لي عم شوقى الخياط وأجري على المرآة الوحيدة المعلقة على جدران أحد الحوائط لأتأمل نفسي كيف سأبدو غدًا بحلتي الجديدة!، وأحيانًا أجلس أعد النقود التي حصلت عليها من والدي ووالدتي وأفكر كيف أنفقهم!، أنتظر طلوع الصباح بفارغ الصبر، أترقب صوت الأقدام بالشارع بشغف حتى أكون أول من يراه خالي ممدوح الذى اعتاد أن يهديني بضعة جنيهات، وكذلك جدتي أم أمي التي كانت تقبلني وتخرج من جزلانها أرباع الجنيهات الجديدة لتهديني إياها وكذلك شقيقتي الكبرى التي اعتادت أن تضع في جيبي عيديتها مع تكرار نفس نصائح كل عام، لا تقول لأحد من إخوتك ولا تشترِ البمب والصواريخ اشترِ شيئًا تأكله ودعك من الألعاب التافهة وإياك أن يسرقك أحد فى زحام الدكاكين، أطير متنقلًا طوال اليوم ما بين منزلنا ومتاجر الألعاب فكلما حصلت على عيدية أتفنن كيف أنفقها دون ادخار، وتمضى الأيام الثلاثة وتعود الأحوال إلى ما كنت عليه، وتعود الطيور إلى غربتها حيث لقمة العيش ومرارة الاغتراب.
مرت السنوات سريعاً واستيقظنا على صعوبة الحياة وقسوتها وسرعان إيقاعها، فما عادت الأعياد أعيادًا فقد تحولت إلى رسائل إلكترونية أشعر معها بالاختناق أو بالاغتراب، كم من العناء أصارع به ذات لا تقبل ذلك التغيير الذي طرأ على كل شيء، فقد باعد بيننا حتى بات مستحيلًا معه الاقتراب حتى أرهقنا تمثيل الأدوار بإتقان، فقد باتت الروح كزجاجة عطر مشروخة وأتربة أحلام دموية، ونجوم حياتنا تفاهات سحرية، وقدوتنا بيكا وشاكوش وسيدة تعرى جسدها من أجل تيك توك غزى كل العقول البشرية، فقد ضاعت مهنتنا وهويتنا وضحكتنا حتى أرواحنا باتت محبوسة عبر أجواء حروب أهلية، صدقًا أتمنى أعود طفلًا أو وليدًا أو إنسانًا داخل طيات نسيان ذاكرتي أو بضعة أوراق لراوية ممزقة عبر حكايات منسية، فقد ماتت البراءة وقتل الأخ أخيه عبر رصاصات الطمع والمال والغدر وسخف الأفكار، فمن اليوم بعدما أدركت كل شيء لا أرسم براءة لأرضيكي فهيا لملمي أوراقك وأحبارك وكففي دمعك فما أنتِ لى غير مرحلة بنهاية عمري، فنحيبك لا يمثل عندي شيئًا فارحلي فقد استخدمت لأجلك كل غواية حتى شاخ العمر، وتحول يومك وحدثك وحلمك وأملك إلى طعم المر، فمن يفهم ومن يؤمن يدرك أن كل الأشياء قدرية وعناية إلهية، فالحياة لا تستحق صراع أو تناحر أو اقتتال، فالأمل أن تعود براءتها وتعود أحلامها وردية
 

تابعنا على فيسبوك

. .
izmit escort batum escort
bodrum escort
paykasa bozum
gazianteplie.com izmir escort
18 film izle erotik film izle
deutsch porn