18:10 | 23 يوليو 2019

عبدالحى عطوان يكتب: المجذوب عواد

11:20am 31/03/24
عبدالحى عطوان
عبدالحى عطوان

سار تائهًا بين دروب المدينة كأنه عملاق خارج من المقابر، فقد كان مميزًا بثيابه الرثة، وحذائه الذي تبرز منه بعض أظافره، وشعره المنكوش، وملامحه التي طفت عليها علامات التشرد والتيه، حتى أطلق عليه بعض الناس الذين لا يعرفونه ولا يعرفون من أين أتى اسم المجذوب، فقد دائب التنقل بين البلدان والشوارع، وكلما شعر أنه سيسقط أرضًا من فرط إعيائه ألقى بجسده بجانب أحد الأماكن  المتوارية التى لا تُظهر ملامحه أو أعضاء جسده المكشوفة، فيتجنب سخرية البشر واضعًا رأسه بجانب أحد أكتافه، متمددًا على أحد ذراعيه، وعيناه زائغتان في الأفق الواسع ليطرد الآهات المكتومة التي تئن داخل صدره في شكل زفير ساخن وكأنه جعل من مساكن الشمس أحد أركان صدره، فما عاد ينام على وسادته داخل غرفة مغلقة، منذ تحول إلى ذلك الشكل، فجعل من الأرض العراء داره طيلة سنواته الأخيرة، والخوف والذهول ملاذه.
حاول كثيرًا أن يخرج من هيئته التي باتت أشبه بالكائن الفضائي، وأن يتناسى تلك الأحداث التي حولته إلى بهلوان حتى صار أضحوكة الأطفال وسخرية بعض البشر، فقد احتار فيه كل من لا يعرف تاريخه، فالبعض يراه من أولياء الله الصالحين، والبعض يراه مختلًا، والبعض الآخر يراه يعاني أحد الأمراض النفسية أو الاعتلالات الذهنية التي حولته من الشخصية السوية إلى شخصية فاقدة لكل معانٍ الحياة وأدواتها من تضاريس المكان والزمان وأساليب المعيشة، بل أصبح كالتمثال قابعًا في جلباب وحيد تمزقت أرجائه وتعرى منه جسده دون أن يشعر.
ولد  عواد ، ذلك الاسم الذى عُرف به طيلة تنقله، داخل منزل بسيط بأحد أحياء المدينة، جدرانه من الطوب اللّبن، سقفه مصنوع من عيدان النخيل والبوص، حجراته غرفتان ضيقتان ودورة مياه صغيرة وصالة لا تسع سوى طبلية الأكل، فطفولته تحمل الكثير من المآسي، فقد كان والده يعمل أجيرًا باليومية عند الغير، أدخله المدرسة القريبة من مسكنه ظل ينفق عليه من القروش القليلة التي يتحصل عليها حتى اجتاز المرحلة الابتدائية لم يشعر ذات يوم بحنيته، فقد كان صارمًا أجهشًا كلما أخطأ اعتدى عليه بالضرب، بل كان يكتم أنفاسه كلما نزلت على أكتافه خرزانته حتى لازمته عقدة الاعتراف بالخطأ أو اتخاذ من الركض السريع وسيلة للهروب، حتى حينما استيقظ على هجرة والده وطلاق أمه لم يستطع الصراخ، فقد كبح جماح أنفاسه داخله ظنًا أنه يستطيع النجاة بقرب والدته ولكنها شهور قليلة وفجائته تلك الأم بزواجها من آخر وعليه مغادرة المنزل إلى أهل والده، فوجد نفسه بلا مأوى.
التقطه أحد أصحاب الحرف عندما وجده نائمًا أمام باب ورشته ظنًا أنه يستطيع مساعدته وتعليمه حرفه يقتات منها، بل وأملًا في أن يصنع له مستقبلًا من خلالها، ولم يكن يدرك الحاج صالح صاحب الورشة أن عواد قد تراكمت داخله مجموعة من العقد النفسية، فقد صار ساخطًا على الأطفال من أقرانه، كلما رأى أحدهم يسير بجانب والده أو والدته، وعلى المجتمع لشعوره بالظلم والقهر وعدم الأمان، فقد كان ينام كل ليلة بين الآلات والعدد، وكلما تحركت إحداها أو صنعت صوتًا ينتفض من الرعب مذعورًا، يتخيل أن شبحًا قادم إليه من قبور الموتى يختطفه، حتى صار جسده هزيلًا لا يحسب للأيام أو السنين عددًا، فقد تجمدت الدماء فى عروقه واختفت كل الملامح من على جبينه.
حتى كان اليوم الموعود عندما اختل توزانه وترك نفسه للقطارات تحمله كيفما تشاء فطاف بين القرى والمدن، ركن إلى المساجد والمقاهي، تسكع فى الشوارع، تارة يستمع إلى حكايات أولياء الله الصالحين فيعيش على ربابها  فيظنه البعض أنه ولي تقدم له الشموع، وتارة يخرج للبرية ليعيش على بعض الطعام من أصحاب الزكاة والعشور، يقطع الأميال أيامًا بلا هدف وراء موجة تنتابه داخل عقله حتى يزفه الأطفال بالحجارة، مرات كثيرة ينام أسفل الكباري فقد أدمن تلك الحالة؛ لينتقم من والديه ولا يدرك أن ما صنعه بنفسه من تيه وتشرد، فقد صار كهلًا عجوزًا وهو فى ريعان شبابه، حتى قابله ذلك الرجل والذى لم يكن شخصًا عاديًا فقد كان يشع من وجهه نورًا وتحيطه هالة ضوء شفافة ويفوح من جلبابه نسائم عطر تملأ الأجواء، اقترب منه حتى دنا من رأسه ووضع يده اليمنى على صدره واليسرى على كتفه لينتشله، فتمتم المجذوب بكلمات غير مفهومة انتابت عقل وقلب ذلك الشيخ وكأن الله أراد لذلك الرجل شيئًا آخر...
 

تابعنا على فيسبوك

. .
izmit escort batum escort
bodrum escort
paykasa bozum
gazianteplie.com izmir escort
18 film izle erotik film izle
deutsch porn