محمود سامح همام يكتب: تحرك مثالي بانتظار واقع صعب المنال
بتاريخ 29 ديسمبر 2023 رفعت جنوب أفريقيا دعوى أمام محكمة العدل الدولية بشأن انتهاكات الكيان الصهيوني المخالفة لالتزاماتها بموجب اتفاقية جنيف واتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية المعاقبة عليها بمقتضى المادة التاسعة من الإتفاقية، والتي تنص على أن تُعرض على محكمة العدل الدولية بناء على طلب أي من الأطراف المتنازعة، وطلبت جنوب أفريقيا من المحكمة بإتخاذ تدابير مؤقتة لحماية حياة مئات الفلسطينيين في غزة من أي ضرر جسيم إضافي وغير قابل للإصلاح وذلك بموجب الاتفاقية وميثاق الأمم المتحدة.
مثلَّ هذا التحرك المثالي من دولة جنوب أفريقيا ضد إبادة الكيان الصهيوني لغزة خطوة هامة في مسار حرب غزة، وقد دعم هذا المثول الافريقي في قضيته بالمحكمة العليا دعم دولي يمثله 50 دولة من حول العالم، ولا شك أن حضور قادة دول الاحتلال للمرة الأولى في تاريخها أمام محكمة وقضاة وأيضا أدلة قوية من بريتوريا تقابلها حجج ضعيفة ودفاع عن النفس بغير حق مما يضعف موقفها أكثر أمام الرأي العام وبالأحرى يفقد الكيان ثقة قاعدته الأكبر بالأخص في أوروبا.
ومن جانب أخر في حديثنا، علينا التعرف أولاً على محكمة العدل الدولية وسلطتها التنفيذية وآليات سلطتها، وتعتبر المحكمة العليا هي الجهاز القضائي الرئيسي للأمم المتحدة، تتميز المحكمة بسلطة فضائية عليا في العلاقات الدولية، حسبما أكد مجلس الأمن على التزام المجتمع الدولي بتنفيذ قرارات محكمة العدل بموجب المادة (94) في ميثاق الأمم المتحدة.
استكمالاً، للمحكمة اختصاصين؛ اختصاص افتائي وذلك لصلاحية الفتوى في مسألة قانونية تُطلب منها، على خلاف طلب الرأي الاستشاري أو الفتوى فهو مقرر فقط للجمعية العامة، ولكن ما يخص مقالنا هو الاختصاص الثاني ألا وهو الاختصاص القضائي والتي تقوم فيه بالفصل في نزاع بين دولتين أو أكثر ويقتصر على الدول فقط، وهو ما ينطبق على دعوى جنوب افريقيا ضد إسرائيل.
ومن ثم يجب أن نسلط الضوء على آليات تنفيذ قرارات محكمة العدل، فوفقا للمادة (94) من ميثاق الأمم تخول مجلس الأمن سلطة إتخاذ ما تراه ضرورياً لفرض احترام وتنفيذ احكام المحكمة العليا، وبناء على مؤشرات الأدلة الظاهرة أمام المجتمع الدولي التي عُرضت أمام المحكمة من قِبل جنوب افريقيا ضد إسرائيل يعطي أملاً ساطعا لوقف الكيان حربه على غزة، ولكن على الجانب السلبي للمحكمة العليا هي جهاز من أجهزة الأمم المتحدة، والجهاز التنفيذي الفعلي لمجلس الأمم هو مجلس الأمن، مجلس الأمن الذي رأيناه في عدة مواقف حاسمة لا يقوم بتنفيذ ما تقرره المحكمة وذلك بسبب تناقض مصالح الدول الكبرى الخمسة أصحاب حق " الفيتو "، فنجد دولة تحول الأخرى في صف ايدلوجياتها من النفع بشأن تلك الأزمة.
فعلى سبيل المثال وليس الحصر أصدرت المحكة العدل الدولية في مارس 2022 حكماً يقضي بأن توقف روسيا عملياتها العسكرية في أوكرانيا فوراً، متهمة روسيا بالتلاعب بمفهوم الإبادة الجماعية لتبرير عدوانها العسكري منذ بداية حرب على أوكرانيا منذ فبراير 2022، وقد صوتت المحكمة بأغلبية 13 صوتاً لصالح الحكم مقابل أثنين اعترضو( المعسكر الشرقي)، وهما الروسي نائب رئيس المحكمة جيفورجيان والقاضية الصينية هانكين، وها نحن ذا بمرور ما يقارب عامين على إصدار الحكم ضد روسيا إلا أن موسكو لم تتوقف عن حرب في أوكرانيا بل تصاعدت أكثر مما قبل، وذلك لعدة أسباب منها جمود تنفيذ مجلس الأمن الحكم لرفض دولتين من الدول الخمسة الكبري تنفيذها، بالإضافة إلى المصالح المشتركة والتخوف من انقطاع الاتفاقيات الثنائية مع روسيا.
ختاماً، لا يمكننا التنبؤ بحل فعلي من محكمة العدل الدولية، لأن حتى وإن صُدر الحكم ضد الكيان ستعترضه الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا (حلفاء تل ابيب)، ومن ثم سيتجمد هذا الحكم، ولكن سيعطي إصدار هذا الحكم لصالح غزة تقوية الرأي العام أكثر معها ضد إسرائيل وتحول موقف الدول الداعمة لها ضدها وودعمها لجانب الحق والمظلوم بالحرب منذ عشرات العقود، في النهاية يعد تحرك جنوب افريقيا أكثر تحرك مثالي منذ بداية العدوان الاسرئيلي على غزة نأمل ألا يكون صعب المنال.