فريد عبد الوارث يكتب : " الأغنية " بين ساعات " روبي" و دقائق "سلطان "
يدور الناس في كافة المجتمعات بين ثلاث " تابوهات " هي الجنس و السياسة و الدين ، و كلمة " تابو " تعني المحظور و الممنوع و أحياناً المحرم تماما ، و لا تنفصل " الأغنية "عن شعبها و بيئتها، فهي تعيد بث المسكوت عنه و تشفيره، بحيث تُرمّزه و تجعله صالحًا للتداول .
و لعل الأغاني التي يشدوا بها الفنانين و الفنانات تعتبر أحد أهم أدوات تناول التابوه الجنسي _ إن لم تكن أهمها _ و عند العودة لما قدمته أم كلثوم أو عبد الوهاب أو عبد الحليم نجده ينطلق من معايير إبداعية صارمة، تضع "الجنس" كغريزة خام في نسق عاطفي من ناحية، و تنجز التسامي الفرويدي من ناحية أخرى ، بمعنى أنها لا تكبت الرغبة بل ترتقي بها و تتفهمها و تهذبها و تصعد بالجنس إلى إنسانية الإنسان، و لا تهبط به إلى غريزية الحيوان و تشير بالتلميح لا التصريح تصوغه بالعاطفة لا بالشهوة.
و إذا أردنا المقارنة بين ما كان عليه المجتمع في زمن عمالقة الغناء الراحلين و بين أقزام الغناء الحاليين فسنجد الوضع محزن و يدعوا للرثاء ! فها هي المدعوة " روبي " _التي يصفونها بالفنانة ظلما و عدوانا على الفن _ تقول في إحدى أغانيها : أول ساعة هروقك/ تاني ساعة هشوقك / تالت ساعة هدوقك أزاي قلبي بيعشقك"و هي ثلاث جمل أو أفعال، تقول المغنية إنها سوف تقوم بها من أجل حبيبها، استنفرت الجمهور العام، و نشط الجهاز الرقابي ـ الرسمي و المجتمعي لاتهامها بأنها جريئة ،و هناك من تهكم على طول المدة، لأن الساعات الثلاث مجرد مخيال غير قائم في الواقع، و لا بتناول أقوى المنشطات.
فهل يعتبر ذلك الابتذال الذي قدمته " فن " أم وصف" ليلة حمراء " ؟؟؟ و هل تتم ممارسة المقصود في الأغنية حتى في شكله و قالبه الديني و الرسمي بتلك الطريقة ؟ و ماذا عن أغنية " بهاء سلطان " الذي يختذل ساعات روبي في ثلاث دقائق في أغنيته الشهيرة ؟؟ و ما هو شعور الجماهير حين تصعد بهم " روبي " لعنان السماء ثم يهبط بهم " سلطان " لعالم الواقع ؟؟
و عند مقارنة السياق الإبداعي، و المجتمعي بين ما قدمته روبي و هو ما لا يمكن قياسه مع ما قدمته أم كلثوم و لا و لا فيروز و.. و ... سواء في مستواه، أو طبيعة عصره ، فما قدمته روبي و من يشبهها حالياً إنما ينتمي تاريخيًا إلى غناء العوالم و الغوازي، الذي انتشر في معظم البلدان العربية ضارباً بالمثل و القيم عرض الحائط و معرضاً أجيالنا الشابه لخطر كبير قد يصل بنا _ إن لم يكن وصل _ إلى الانحلال الأخلاقي و عدم الاكتراث لا بدين و لا قانون و لا حتى عرف !!!!
