18:10 | 23 يوليو 2019

محمود سامح همام يكتب: القراءة الاقتصادية والجيوسياسية لهجمات الحوثيين في البحر الأحمر

7:49pm 29/12/23
محمود سامح همام
محمود سامح همام

بعد مرور أقل من شهرين على شن الحوثيين هجمات على السفن المارة بالبحر الأحمر، منذ إعلان زعيم جماعة أنصار الله عبدالله الحوثي أن " عيون الجماعة مفتوحة لرصد أي سفن تعود ملكيتها أو تُشغلها شركات إسرائيلية، وذلك رداً لنصرة لغزة المظلومة في حربها ضد الكيان الصهيوني والولايات المتحدة الأمريكية، قبل أن توسع عملياتها تجاه " كل السفن " المتوجهه لأسرائيل، وكان لهذا الإعلان ردة فعل قوية من المجتمع الأقليمي والدولي، وعلى أثرها تأثر الأقتصاد العالمي بصورة عامة والاقتصاد الصهيوني والإقليمي بشكل خاص.

 

ومن هذه النقطة يمكننا أن نسلط الضوء على تحليل القراءة الاقتصادية والجيوسياسية للحرب الضارمة في الفترة الراهنة بالبحر الأحمر بين الحوثيين والمجتمع الدولي ؟ وما جذور وأوراق تلك الحرب ؟

 

 

دوافع الحوثيين الضمنية والظاهرة لإعلان الحرب

 

• بداية، يمكننا تناول أسباب تفاقم النيران في المنطقة،حيث جاء إعلان الحوثيين الحرب واستهداف أي سفن تمت للكيان الصهيوني بصلة نتيجة لحرب غزة ونصرةً لفلسطين المظلومة التي تتعرض للإبادة الجماعية ويُقتل العشرات يومياً منها وتُدمر احياء بالجملة في القطاع حيث وصل عدد الضحايا حتى يومنا هذا 21210 شهيد ووصل إجمالي الإصابات إلى 55243 مصاب. والاعداد في تزايد مرعب.

• وفي حقيقة الأمر نجد أن الحوثيين سلاح بحري حدودي لإيران، فزيادة النفوذ الإيراني سيجعل طهران تمسك بأطراف طوق بحري يمتد من الخليج العربي، مرورا ببحر العرب والبحر الأحمر، وصولا للبحر المتوسط، لتكمل حزاما حول المنطقة العربية مع سيطرتها على الجزء الشمالي منها (في إشارة لوجودها عبر وكلاء وحلفاء في سوريا والعراق ولبنان)،

كما أن هذا التوتر يدفع إيران لزيادة حضورها في اليمن، ويصبغ الوجود العسكري الإيراني المكثف بالعلاقات الثنائية فيما بعد في إطار دعمها لحليفتها (الحوثي) بالسلاح والخبرات، ما يجعلها لاعباً أساسيا أقوى في هذا الساحة، ومتحكماً في إدارة الصراع، وفي عادة الأمر استراتيجية (الحرب بالوكالة) هي السلاح الأقوى لدى طهران في حروبها بالمنطقة .

• كما بإستطاعتنا أن نسلط الضوء على أن الحوثيين تحاول التأثير والقدرة على لعب دور أكبر في غزة، تغيير قواعد اللعب مع واشنطن التي تسيطر على زمام الأمور وتدعم الكيان الصهيوني في إبادته للقطاع بالمساعدات العسكرية والاقتصادية والإعلامية، لما يمثله تل ابيب كورقة لعب أساسي لها للتحكم في متغيرات المنطقة وزعزعة استقرار أمنها القومي باستمرار.

• استكمالاً، ولا يمكننا التغاضي عن ذكر تصاعدات التوتر في العلاقات الأمريكية الأيرانية، وتهديد طهران قبل شن هجمات الحوثيين بمنع جميع صادرات النفط الخليجية من المرور في مضيق هرمز إذا ما فرضت الولايات المتحدة عقوبات جديدة على صادراتها النفطية، ونستطيع القول أن تلك الحرب التي أعلنها الحوثيين ليست سوى استجابة لطلب إيران التي تريد إعطاء مبكرة لخصومها الدوليين عن قدرتها في خلط الأوراق والإضرار بمصالحهم الاستراتيجية في حال تعرضت مصالحها لخطر، وبالتأكيد تستخدم ايران اليمن كورقة ضغط لحرب غزة.

 

 

بودار نكسة اقتصادية على المستوى الإقليمي والدولي

 

 

في البداية سوف نتطرق الحديث عن تأثير هجمات الحوثيين واحاطته لأهم طرق التجارة الدولية في البحر الأحمر على اقتصاد دولة الكيان الصهيوني وانعكاساته على الصعيد الداخلي والخارجي، فهو السبب المباشر لاعلانهم الحرب عليها وإعاقة اقتصادها بالإضافة إلى اطلاقها العديد من الصواريخ الباليستية تجاه قواعد دولة الاحتلال.

• في حقيقة الأمر دولة إسرائيل لا تمارس أي تجارة عن طريق البر كما تفعل أوروبا على سبيل المثال، فإنها تعتمد بشكل كبير على موانيها البحرية التي يمر عبرها أكثر من 98% من البضائع الإسرائيلية حسب صحيفة هآرتس الإسرائيلية، وخاصة أن في السنوات الأخير لاحظنا تحول تجارة إسرائيل إلى شرق أسيا وجنوب شرق أسيا مما يعني أن تجارتها باتت تعتمد أكثر على الخطوط البحرية التي عبر مضيق باب المندب وقناة السويس،مما يجعل البحر الأحمر ذو أهمية لوجستية عظمي بالنسبة لاقتصادها وتجارتها الخارجية، وبهذة الدلالات يتبين لنا مدى الخسائر التي يتكبدها الكيان الصهيوني يوميا من تطويق الحوثيين لحركة الملاحة في البحرين الأحمر والعربي.

• إستكمالاً، لا شك أن العالم البحري حساس والبيئة الأمنية غير المستقرة لها تأثير فوري ومباشر، فخلال الأيام الأولى من الحرب في الجنوب ، كانت توجد سفن أعلنت أنها لن ترسو في ميناء عسقلان النفطي". وتابع: "في بداية الحرب، وُجد انخفاض بنسبة 40% في حركة المرور في أشدود، مما أسفر عن أرتفاع ملحوظ في العملة الإسرائيلية بين عملات العالم، كما أن هذا يؤثر بالفعل في جميع البضائع التي تصل إلى إسرائيل من الصين إلى ميناء أشدود، التي بدأ سعرها في الارتفاع خلال الأسابيع الأخيرة، وهذا انحراف بالنسبة للاتجاه العام للتجارة بين آسيا ومنطقة البحر الأبيض المتوسط، إذ شهدنا بالفعل انخفاضاً طفيفاً في الأسعار خلال تلك الفترة، لا يقتصر الأمر على ارتفاع أسعار الشحن والتأمين وتغيير السفن الإسرائيلية لمسارها، بل يصاحبه أيضاً تأخيرات واختناقات مرورية بأعداد أكبر من المعتاد، إذ أبلغت شركة الشحن MSC عن اختناقات مرورية عند مدخل ميناء أشدود، كما حوّلت شركة Evergreen السفن إلى حيفا البعيدة نسبيّاً عن صواريخ المقاومة الفلسطينية.

• وفي سياق ذي صلة، أعلنت شركات أزريلي، وشوفيرسال وميلزرون الإسرائيلية، الأسبوع الماضي، إغلاق 4 متاجر إلكترونية عبر الإنترنت تابعة لها، ما يلقي الضوء على تأثير هجمات جماعة الحوثيين اليمنية في البحر الأحمر على سلاسل التوريد في إسرائيل.

وحسب موقع صحيفة "غلوبز" الاقتصادية الإسرائيلية، فإنه مع المخاطر التي يشكلها الحوثيون في البحر الأحمر، والمتوقع أن تؤدي إلى مشكلات "خطيرة" في سلاسل التوريد والاستيراد، إضافة إلى الصعوبات الاقتصادية التي تسببت بها الحرب على قطاع غزة، اختارت هذه الشركات التخلص من "استثماراتها المخفقة"، والتركيز على عملها الأساس.

• ومن ثم دعونا نتحدث على أهم ممر مائي ليس فقط في منطقة الشرق الأوسط بل بالعالم أجمع ألا وهو قناة السويس (أطول قناة ملاحية في العالم بدون أهوسة) التي تربط بين الشرق والغرب وذلك بسبب موقعها الجغرافي الفريد ويصبغ عليها هذا الموقع الفريد طابعاً من الأهمية الخاصة الجيوسياسية للعالم ولمصر كذلك ، وتتعاظم أهمية القناة بقدر تطور وتنامي النقل البحري، حيث يعد النقل البحري أرخص وسائل النقل، وتمثل قناة السويس موردا اساسياً من موارد الدخل القومي المصري،

• إستكمالاً، أفادت وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية بمصر الدكتورة هالة السعيد -عبر موقع الوزارة- إبان الإفصاح عن خطة التنمية لعام 2022-2023 أن "قناة السويس يمر من خلالها نحو 10% من إجمالي حركة التجارة العالمية، وما يُقارب 25% من إجمالي حركة البضائع التي تنقل بالحاويات عبر البحر، و100% تقريبًا من إجمالي تجارة الحاويات المنقولة بحرًا من بين آسيا وأوروبا، ولكن -في ضوء استهداف الحوثيين في البحر الأحمر للسفن الإسرائيلية أو التي تتعامل معها- ثمة تأثيرات سلبية متوقعة على الملاحة بقناة السويس التي تمثل عوائدها أحد أهم روافد النقد الأجنبي لمصر.

• ونتيجة للتهديدات الحوثية، أعلنت شركات شحن كبرى تحويل مسار رحلاتها التجارية إلى الدوران حول قارة أفريقيا عبر مضيق رأس الرجاء الصالح بدلًا عن المرور في قناة السويس، منها شركات ميرسك، وسي إم إيه، وسي جي إم، وهاباغ لويد، وفرونت لاين. وبالفعل كشفت هيئة قناة السويس تحول 55 سفينة للعبور عبر طريق رأس الرجاء الصالح خلال الفترة من 19 نوفمبر/ تشرين الثاني حتى 17 ديسمبر/ كانون الأول الجاري، لكنها نسبة ضئيلة مقارنة بعبور 2128 سفينة مرت بالقناة خلال نفس الفترة، بحسب الهيئة، لكنها بالظبع أثرت في الإيرادات السيادية للدولة المصرية حتى ولو بشكل طفيف.

• وهنا نستطيع أن نتنبأ إن تحويل شركات الشحن لمسار السفن التجارية إلى طريق رأس الرجاء الصالح يعد أمرًا مؤقتًا بسبب التوترات الجوسياسية، لكنه لن يستمر طويلًا بسبب التكلفة المرتفعة للشحن من خلال الطرق البديلة لقناة السويس، إضافة إلى طول مدة الرحلة مما يؤثر على التكلفة الإجمالية للشحن، ومواعيد التسليم، في تقرير وكالة فيتش للتصنيف الائتماني، كما أن شركات الشحن ستواجه تكاليف متزايدة بسبب مرور السفن من خلال رأس الرجاء الصالح، مما سيدفعها لرفع الأسعار. ومن بين أكثر أنواع الشحن المتأثرة بشكل سلبي بالتوترات الجارية، وهي حاويات الشحن - التي توقع التقرير أن تشهد أكبر زيادة في أسعار النقل - تليها ناقلات البضائع السائبة. في حين ستستفيد أسعار الشحن الجوي من الطلب على الشحنات التي تحتاج إلى سرعة في نقلها.

 

 

خفض التوتر بالمنطقة وإنقاذ الاقتصاد العالمي

 

• يجب الأخذ في عين الإعتبار بأن جماعة الحوثيين اليمنية لن تتوقف عن استهدافها للسفن الإسرائيلية وتهديدها لطريق الملاحة الدولية إلا من خلال تنفيذ حكومة نتنياهو لمطالبهم والتي تتمثل بكل تأكيد في وقف القصف والعمليات العسكرية الإسرائيلية الدموية في قطاع غزة والانسحاب منه وتوقف الولايات المتحدة عن دعم جرائم الحرب الصهيونية، ذلك ما نتوقع من أن يهدئ من الأجواء المتوترة بعض ما في المنطقة.

• وحتى بعد إعلان وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن خلال زيارته للمنطقة عن تدشين عملية " حارس الازدهار" الدولية، وهي مهمة أمنية متعددة الجنسيات ستكون تحت مظلة القوات البحرية المشتركة CMF وقيادة فرقة العمل 153 التابعة لها، واانضم إلى التحالف الدولي الجديد بقيادة الولايات المتحدة لحماية حركة التجارة في البحر الأحمر من هجمات الحوثيين اليمنيين أكثر من 20 دولة، حسب ما أعلن البنتاغون الخميس. وتفضل ثماني دول على الأقل من البلدان المنضوية تحت هذا الحلف، وعدم الكشف عن أسمائها للحساسيات السياسية للعملية مع تصاعد التوتر بالمنطقة وتوسعه، نتيجة الحرب بين إسرائيل وحماس والغارات العنيفة لتل أبيب على غزة، رغم الدعوات الدولية لوقف إطلاق النار،وبالرغم من الإعلان عن تاك العملية فإن القيادة الحوثية لم تغير من موقفها واستمرات في عملياتها من إطلاق صواريخ باليستية على السفن التجارية المارة في البحر الأحمر، وبالطبع الدافع القوي والممول الأساسي للقوات الحوثية هي طهران التي تحارب بشكل غير مباشر في تلك الساحة كما ذكرنا من قبل عن طريق استراتيجية ( حرب بالوكالة).

• ومن ثم يجب التأكيد على استخدام القنوات الدبلوماسية لحث الدول المعنية على العمل معًا لوقف هجمات الحوثيين في البحر الأحمر. ويمكن تحقيق ذلك من خلال الشروع في مفاوضات سلمية والتركيز على حل النزاعات القائمة في المنطقة.

 

خاتمة

 

في الختام تشكل هجمات الحوثيين في البحر الأحمر تهديداً خطيراً على السفن والملاحة الدولية في المنطقة. وتسبب هذه الهجمات في زيادة التوتر الجيوسياسي في المنطقة وتهديد حرية الملاحة وأمن الممرات المائية الحيوية، كما أن الأضرار الاقتصادية المترتبة عن هجمات الحوثيين تتسبب في تكاليف هائلة على شركات الشحن والتجارة البحرية، حيث يتعين عليها تكبد خسائر مادية جسيمة نتيجة لتلف البضائع وتوقف عمليات الشحن والتأخيرات في التسليم، ومما لاشك أن الهجمات الحوثية تؤثر على استقرار المنطقة والعلاقات الدولية بشكل أوسع. فالتصعيد العسكري والتوتر الجيوسياسي يمكن أن يؤدي إلى تداعيات سلبية على العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية بين الدول المعنية، ولوقف هجمات الحوثيين وتقليل الأضرار، ينبغي تعزيز التعاون الدولي والتنسيق في مجال مكافحة التهديدات البحرية. يجب أن تتبنى الدول إجراءات أمنية صارمة وتعمل على تطوير التقنيات والإجراءات اللازمة للكشف المبكر والاستجابة السريعة لمثل هذه الهجمات.

 

أخيراً، يجب أن تتعاون الدول المعنية مع القوات الدولية المنتشرة في المنطقة والمنظمات الإقليمية والدولية المعنية بأمن الملاحة البحرية ومكافحة الإرهاب لتعزيز الأمن البحري وحماية السفن والملاحة الدولية.

وباختصار، فإن القراءات الاقتصادية والجيوسياسية لهجمات الحوثيين في البحر الأحمر توضح أن هذه الهجمات تشكل تهديداً خطيراً على الأمن البحري والاقتصاد العالمي. يتطلب مواجهة هذا التهديد التعاون الدولي والتنسيق المشترك لحماية السفن وتأمين الممرات المائية الحيوية، وذلك من أجل الحفاظ على الاستقرار الإقليمي والعالمي وتعزيز التجارة الدولية والازدهار الالاقتصادي.

تابعنا على فيسبوك

. .
izmit escort batum escort
bodrum escort
paykasa bozum
gazianteplie.com izmir escort
18 film izle erotik film izle
deutsch porn