فريد عبد الوارث يكتب: طوفان الأقصى و طوفان المحروسة
إذا أردنا أن نفهم مفردات طوفان الأقصى كيف بدأ و إلى أي نقطة مخطط له أن يصل ؟ فعلينا وضع المسرحية بكل فصولها في إطار الحرب الدائرة بين الصين و الغرب، ما بين طريق الحرير الصيني و الممر الهندي الصهيوخليجي الأمريكي ، فالصراع الاقتصادي بين الصين و الغرب كما هو واضح هو صراع بحري ، صراع على الممرات التجارية البرمائية ،و حرب المضايق و أعالي البحار و بمعنى أوضح حروب الموانئ و لعل مسرح عمليات هذا الصراع يمتد من الشرق الأقصى (شرق آسيا) الى الشرق الأوسط، مروراً بدائرة (المحيط الهندي _ المحيط الهادئ) ممتدا من مضيق تايوان الى مضيق باب المندب .
فها نحن نرى كيف تسعى الولايات المتحدة اليوم إلى عسكرة البحر الأحمر و احتلال و تدويل مضيق باب المندب و خليج عدن ؟ ولكي يحدث ذلك يجب ان يكون هنالك حد أدني من شرعية تحرك الاستعمار الجديد و يجب أن يكون هنالك شيطان يحاربه الغرب باسم الحرية و الديموقراطية و الإنسانية، و في تلك المرة كان التنظيم الحوثي بترتيب مع ايران لإعطاء ذريعة للغرب من أجل الانتشار في هذه المنطقة و لعب دور "شرطي البحر الأحمر" امام الطرق البرمائية لطريق الحرير الصيني الجديد.
و لكي يكتمل السيناريو فلابد من ضرب سفينة تجارية ذات علاقة بإسرائيل على سواحل شبه جزيرة الهند ، _ و هو ما قامت به إيران بالفعل _وبذلك يصبح مسرح العمليات وسط المحيط الهندي بحاجة للحماية الأمريكية و معها دائرة جديدة تضم خليج عمان و بحر العرب و مضيق هرمز و الخليج العربي و خليج البنغال وصولا الى مضيق موزمبيق في شرق افريقيا، لتكتمل خارطة مسرح العمليات من مضيق تايوان شرقاً الى مضيق باب المندب غرباً.
و لعل السؤال المنطقي الآن هو أين مصر ؟ و ما هو موقفها ؟ و كيف تدافع عن البحر الأحمر امام العسكرة و التدويل و الاحتلال الناعم ؟ فالبحر الأحمر يعتبر تاريخياً بحيرة مصرية و لكي نحيب على تلك الأسئلة يجب معرفة خارطة انتشار القوات الأجنبية في البحر الأحمر ، حيث تمتلك الولايات المتحدة قاعدة عسكرية في جيبوتي، و كذا الصين، اليابان، و فرنسا التي تسمح لدول الاتحاد الأوروبي باستخدام قاعدتها في جيبوتي ، أيضاً تمتلك تركيا قاعدة في الصومال، الامارات تمتلك قاعدة في إريتريا و قاعدة ثانية في جمهورية أرض الصومال، بينما تمتلك إسرائيل قاعدة في إريتريا.
غير أن أكبر قاعدة عسكرية في حوض البحر الأحمر ليست أياً مما سبق، و لكنها قاعدة برنيس العسكرية التي تقع في قرية برنيس بمحافظة البحر الأحمر المصرية أو شرق مدينة اسوان و التي افتتحها الرئيس عبد الفتاح السيسي في 15 يناير 2020، تم انشاء تلك القاعدة في زمن لا يتعدى سنة واحدة فحسب ، و تبلغ مساحتها ١٥٠ ألف فدان، و تضم: قاعدة بحريةو قاعدة جوية و مستشفى عسكري فضلاً عن عدد من الوحدات القتالية و الإدارية و ميادين للرماية و التدريب لجميع الأسلحة كما تضم مطار برنيس الدولي و محطة لتحلية مياه البحر و تضم القاعدة رصيفًا تجاريًّا، و محطة استقبال ركاب، و أرصفة متعددة الأغراض، و أرصفة لتخزين البضائع العامة، و أرصفة وساحات تخزين الحاويات.
و القاعدة الجوية تضم عدد من الممرات كل منها بطول 3 آلاف متر و عرض من 30 إلى 45 متر بالإضافة لهنجر عام لصيانة و إصلاح الطائرات أما القاعدة البحرية فتضم رصيف حربي بطول ألف متر و عمق 14 متر تسمح بمتطلبات الوحدات البحرية ذات الغاطس الكبير مثل الميسترال و الفرقاطات و الغواصات ، إذن تمتلك مصر أكبر قاعدة عسكرية في البحر الأحمر، و تمتلك اليد الطولى رغم مسرحية تهديد الحوثيين لجنوب البحر الأحمر و من قبلها مسرحية قراصنة الصومال .
و تلك هي لعبة النفس الطويل التي خاضتها مصر وحسمتها بسلاح الردع في معارك حروب البحار و الموانئ في محطيها الإقليمي، و مصر صاحبة اليد الطولى في البحرين المتوسط والأحمر ، و تبقى قناة السويس أمر واقع على خارطة سلاسل الامداد، أما عن كافة مسرحيات أمريكا بالتعاون مع الحوثيين و حماس و إيران و حتى إسرائيل فهي موسمية فحسب، سيناريوهات رديئة و سوف تسقط أمام حقائق و معطيات رسمتها مصر في ضربات استباقية هادرة حمت مصر من نموذج اللادولة و الفوضى الخلاقة و الدولة الوظيفية الذى ينهش في نصف دول العالم دون مبالغة.