عبدالحى عطوان يكتب: فادية والقرار
لم تدرك فادية أن قرارها سيقودها لذلك المصير ولم يكن بحسبانها أن تصل إلى ما وصلت إليه، فقد حاولت أن تتماسك بعد هزيمتها أمام مجتمع رسّخ لمبادئ النفوذ والمال والسلطة، تمنت أن تلمم أوراقها المبعثرة، أن تكون صرخاتها المكتومة بصدرها غمامة خريف تشرق بعدها الشمس، حاولت كثيراً أن تهدأ من روعها لفّت ساعديها حول ضلوعها؛ لتتغلب على برودة أطرافها، وقفت تنظر للسقف الذى بدا متحركا مع حركة أفكارها التى تدور برأسها فهي لم تعرف الاستسلام أو اليأس ولم تسقط من قبل مهما كان المشهد سينمائيًا عبثيًا، ومهما صادفت من معارك أو واجهت أشياء بلا قانون راسخ.
لم تقف طويلا تعانق تلك التجربة التي أضاعت أحلامها فقررت أن تغادر نهايات شكسبير المؤلمة والتث تجسمت في الكثير من رواياته أو مسرحياته الدرامية فعشقها للموسيقى وقصائد الشعر التي كانت تتغنى بها طوال دراستها ساعدها على تجاوز تلك الأزمة، بل كوّن لديها الشخصية التي لم ترعبها زحف الخريف، أو سقوط الأحلام بالطريق، أو عزف الأوركسترا بسيمفونية الفشل، فلم يفزعها مجتمع تحول إلى بحر هائج تكسرت على أمواجه طموحها وكأنها كانت مرسومة بالقلم الرصاص،
وبعد معاناة نفسية لعدة أيام ولأنها صلبة لا تكسر بسهولة أخرجت من درج مكتبها تلك الدفاتر والقصاصات القديمة والتى كانت تحتفظ خلالهم بالكتابات التى كانت تخطها والرسومات التى ترسمها عن غد مقبل، وأمسكت بهم وكأنها أرادت أن تسجمع من داخلهم الدفء الذى يحررها من قيود حلمها العتيق، وبرغم أنها منهكة القوى غائرة العينين ويديها ترتعشان إلا أنها استجمعت كل قواها وحزمت أمرها على ذلك القرار.
قررت بكل قوة أن تغادر دون أن يفزعها من صنعوا قوانينه من سرقوا منها الدفء وحلم ارتداء الزي ، و النجوم المتلألئه على كتفيها وأعطوها كرة من الزجاج تكسرت مع أول ركلة. قررت أن تستبدل ذلك الرداء برداء أخر، فإذا كانت فشلت فى حلم فلتصنع لنفسها ،حلما أخر تستطيع من خلاله خدمة أهلها وإعانة الفقراء
ومرت السنوات وهي تجوب الطرقات تقطع الطريق ذهابا وإيابا، تشق ظلام الليل الدامس حتى عادت بعد معاناة إلى قريتها وهى تحمل بين يديها درجة الدكتوراة فى أدق تخصص طبي فريد لم يسبقها إليه أحد حتى من أصحاب ذلك الزي الذى ظلت تحلم بارتدائه ، وما إن دخلت ذلك الباب الذى غادرته طوال سنوات علمها حتى ارتمت فى أحضان والدها الشيخ محمود، وما إن همت تقبل يديه ورأسه حتى بادرها بكلماته الحانية التى داعبت مشاعرها المرهفة، فقد أنستها دقة العبارات واختيار الألفاظ عن كفاحها ونجاحها ما قاسته من عذاب السنين، بل حطمت زغاريد أهل القرية وحديث الصحف عنها صنمها الذى تقوقعت داخله لسنوات، فقد صنعت بحلمها الجديد بارقة أمل للآلاف من البشرية ،
ومع الغد كانت أولى خطواتها وحلما أخر