عبدالحى عطوان يكتب : أمراة فى مواجهة القدر
لبست فاطمة منذ صغرها رداء الطبيعة الصلبة ، فقد فارقها الأب وهي فى العاشرة من عمرها تذكرت بعد كل هذه السنين كم كان يحبها ويدللها فى ريعان شبابها فقد كانت تجالسه بالساعات تحكى له كل شئ بدون تردد فثقتهما المتبادلة صنعت بينهما جسرًا من الحكايات الجميلة فقد كانت تنظر للحياة برمتها نظرات المراهقة فقد أحبت العشق قبل ان تخوض تجربته تعلمت كل الخدع والحيل لكي تصبح جذابة فاتنة ومقبولة كانت تشعر دائمًا بخطوات أقدامها وكأنها الفراشة التي تتنقل بين الحقول طائرة فى حلمٍ طويلٍ لا ينتهي كانت دائمًا تحادث نفسها بغدٍ ستعيش أجمل فصوله ولا تعرف ما تخبئ لها الأيام فقد كان هناك قدرًا يتربص بحلمها لكي تعيش أحلك فصوله
استيقظت أُم الرجال كما كانت تحب أن ينادونها هذا الصباح وكأنها أفاقت من ركامٍ طويلٍ على ولدين أتما تعليمهما الجامعي وزوجٍ رحل مُنذ سنواتٍ طويلةٍ لا تعرف عددها بعدما تركها تصارع أمواج الفقر والمرض وتعليم ولدين ، فقد قضت اغلب سنينها وهى منكفئة الراس، و مقيدة اليدين والارجل على موتور ماكينة الحياكة حتى تعرف أن تلبي لهما احتياجاتهم الدراسية فهما كل دنياها فلم تهتم يومًا بالذهاب الى الكوافير او اطباء تبيض الاسنان او تلميع البشرة فلم تعرف يومًا شراء ادواتٍ للزينةِ حتى بدت وكأنها وردة تم اقتطافها قبل تفتحها فذبلت ،فقد أحنى الهِرم ظهرها قبل الاوان.
وبالرغم من كل هذا مازالت تملك تلك الروح المرحة فينتابها الضحك على مزحة وان كانت لا تفهمها وحين يضايقها أحدهما تبدو رابطة الجاش فهى دائمًا تلقى باللوم على نفسها وكثيرًا ما يغمرها الشعور بالذنب فهى لا تعرف أن تقول لا حتى على حساب نفسها وصحتها .
أفاقت بعد كل هذا العمر والرحلة الطويلة التي لم تنعم فيها سوى بذكريات الطفولة والزوج الذي رحل وتركها بدون أى مقومات على كارثة العمر فقد أكدت الأشعة والفحصوات احتلال الفيرس اللعين جسد أحمد أكبر ابنائها والتي كانت تناديه دائما زوجي الحبيب فقد كان حنونًا عطوفًا عليها يدرك فى قرارة نفسه كم تألمت وكما عانت من أجله ومن أجل أخيه نظرت إليه وهو يتألم فانهالت تلطم خدودها تمزق ثيابها و تصرخ لتنهمر دموعها.
فلم تتحمل التفكير فى مشرطٍ ينساب بين اعضائه،
او تعيش أسبوعًا لتراه داخل غرفة العمليات فهي لم تملك المال للمستشفيات الخاصة والإهمال يصيب كل المستشفيات العامة وبينما التفكير بهز كيانها وصراخها يزلزل أرجاء المكان أدركت برغم ظروفها و قلة حيلتها وفقرها وبؤسها ما صنعه بها الأب فى رحلة شبابها فصراعها ليس صراعًا مع الموت ولكن فى مواجهة القدر من أجل النجاة