كيف سقطت مصر في 3 ساعات؟

في صباح الخامس من يونيو عام 1967، لم يكن أحد يتصور أن مصر، الدولة العربية الأكبر عسكريًا وسكانيًا آنذاك، ستتلقى واحدة من أسرع وأقسى الضربات في التاريخ الحديث. ثلاث ساعات فقط كانت كفيلة بأن تسقط فيها قوة سلاح الجو المصري، ويتغير وجه المنطقة العربية لعقود قادمة.
البداية: السماء المصرية تشتعل
في تمام الساعة 7:45 صباحًا، بينما كان الجنود يتناولون إفطارهم والضباط في مكاتبهم، أطلقت إسرائيل عملية "موكيد" (التركيز)، ضربة جوية وقائية نفذتها بأكثر من 180 طائرة حربية.
حلق الطيران الإسرائيلي على ارتفاع منخفض، متفاديًا الرادارات المصرية، وموجهًا ضربات دقيقة ضد المطارات الحربية في إنشاص، أبو صوير، فايد، كبريت، ومطار القاهرة الدولي، وغيرها.
تدمير الطائرات على الأرض
الطائرات المصرية، من طرازات ميغ وسوخوي، كانت مصطفّة على المدارج دون تحصينات، وهو ما جعلها أهدافًا سهلة لصواريخ الطائرات الإسرائيلية. في خلال ثلاث موجات متتالية، تم تدمير ما يقارب 300 طائرة مصرية، بينها أفضل ما كان يملكه السلاح الجوي المصري.
لم تقلع معظم الطائرات. لم تطلق رصاصة واحدة في الدفاع عن النفس. سقطت مصر جويًا وهي لا تزال على الأرض.
لماذا سقطنا بهذه السرعة؟
1. الصدمة والمباغتة:
لم تعلن إسرائيل الحرب قبل الضربة، مستغلة حالة الطمأنينة التي زرعها الإعلام المصري.
2. غياب الجاهزية القتالية:
كانت الطائرات مصطفة في العراء دون تمويه أو تحصين. لم يكن هناك نظام مناوبة فعال أو استعداد قتالي حقيقي.
3. ضعف التنسيق بين القوات الجوية والدفاع الجوي:
الرادارات لم تلتقط الطائرات الإسرائيلية في الوقت المناسب، والمدفعية المضادة للطيران لم تكن في حالة تأهب.
4. ارتباك القيادة السياسية والعسكرية:
كانت القرارات تدار من قمة السلطة، وأي تحرك ميداني كان مرهونًا بتعليمات متأخرة من القيادة العليا.
النتائج: انهيار المعركة قبل أن تبدأ
بعد تدمير سلاح الجو، أصبحت السماء المصرية مفتوحة تمامًا للطيران الإسرائيلي. هذا مكّن العدو من استهداف قواتنا البرية في سيناء، وتدميرها في طريق انسحابها، ما أدى إلى فقدان شبه جزيرة سيناء خلال أيام، ثم الضفة الغربية والقدس والجولان في جبهات أخرى.
نكسة 1967 لم تكن مجرد هزيمة عسكرية، بل كانت زلزالًا سياسيًا ومعنويًا. سقطت فيها أوهام التفوق، وتكشفت فيها ثغرات الجيوش العربية، ودفعت الأمة بأكملها إلى مرحلة من المراجعة والوعي.
لكن من رحم الهزيمة وُلد الأمل. أعادت مصر بناء جيشها بهدوء وقوة، حتى جاء السادس من أكتوبر 1973، لتُكتب صفحة جديدة عنوانها: "لقد انتصرنا بعدما تعلمنا من سقوطنا".
لم تسقط مصر في 3 ساعات فقط بسبب الطائرات، بل سقطت بسبب الغرور، التراخي، وضعف الاستعداد... لكنها نهضت من جديد. وهذا هو ما يصنع أمة لا تُقهر.