"لماذا هذا الانتظار؟ نظرة على ارتباك المجتمع في أيام امتحانات الثانوية العامة"

في كل عام، وفي وقت امتحانات الثانوية العامة، يبدو أن مجتمعاتنا تشهد تحولًا غريبًا في سلوك الأفراد، يبدأ منذ لحظات الصباح الأولى وحتى ساعات المساء. آلاف الأعين تراقب وتنتظر، وآلاف الأيدي تحمل هواتف محمولة لمتابعة آخر الأخبار، في مشهد يتكرر سنويًا دون تغيير يذكر. فما الذي يحدث بالفعل؟ لماذا يتجمع أولياء الأمور خارج المدارس؟ لماذا تبدو الأجواء مشحونة بالتوتر والحزن والقلق؟ هل هذه العادة التي فرضتها السنوات السابقة لها مبرر حقيقي؟ أم أن الأمر تحول إلى مجرد تقليد مجتمعي لا نعرف كيفية التخلص منه؟
تكدس خارج المدارس: ماذا يعني هذا؟
كلما اقتربت اللحظات الأخيرة من بدء امتحانات الثانوية العامة، نجد أن أولياء الأمور يتجمعون أمام أبواب المدارس، بعضهم يراقب بقلق، وآخرون يتبادلون الأحاديث حول الطلاب، والأجواء تصبح مشحونة بانتظار النتيجة. تجد البعض يحمل بين يديه قلوبًا مليئة بالخوف، بينما تجد آخرين يلهجون بالدعاء لأبنائهم. في الواقع، قد يكون من الصعب فهم سبب هذا التكدس والانتظار الطويل الذي يصاحبه التوتر، إذ لا يمكن لأي أحد أن يغير شيئًا في تلك اللحظات التي يتحكم فيها الطالب وحده في مصيره.
لكن الحقيقة أن هذا التكدس يعكس شيئًا أكثر من مجرد انتظار لنتيجة اختبار. إنه انعكاس للضغوط النفسية التي يعيشها المجتمع، والقلق المتزايد حيال المستقبل، وتحديات الحياة اليومية. في مجتمعاتنا، أصبح امتحان الثانوية العامة هو الحد الفاصل بين "النجاح" و"الفشل"، وبناءً عليه، يتم تحديد مصير الطالب بشكل كبير.
القلق الذي يرافق أولياء الأمور:
الكثير من الآباء والأمهات يشعرون بثقل المسؤولية على عاتقهم. هم ليسوا فقط مهتمين بتفوق أبنائهم، بل أيضًا يقلقون على مستقبلهم ومستقبل البلاد بشكل عام. يتساءلون: هل يمكن للابن أن يحقق حلمه ويصل إلى الجامعة التي كان يطمح إليها؟ هل ستتمكن الأسرة من توفير التكاليف الدراسية؟ هذا القلق يتسرب إلى نفس الأهل حتى قبل أن يبدأ الامتحان، ما يجعلهم يعيشون حالة من الضغط المستمر على مدار أيام الامتحانات.
تجدهم يقفون هناك خارج المدارس، دون أن يستطيعوا فعل شيء. وأحيانًا، تزداد مشاعرهم بالارتباك عندما يرون طلابًا آخرين في حالة من الهستيريا أو العصبية بسبب الامتحان. لدرجة أن بعض الأهالي يصبحون جزءًا من هذه الحالة، فكلما أبدى الآخرون قلقًا، تزداد لديهم مشاعر القلق والانفعال.
لماذا هذه العادة؟
تعتبر فكرة الانتظار والقلق جزءًا من التقاليد التي نشأت منذ سنوات طويلة في مجتمعاتنا. قد يكون هذا السلوك بدأ كجزء من عملية دعم معنوي للأبناء، حيث كان الأهالي يقفون في انتظار أن يخرج أبناؤهم من الامتحان ليطمئنوا عليهم. ولكن، مع مرور الوقت، تطور هذا السلوك ليصبح عادة جماعية يتمسكون بها بشكل غير منطقي.
ربما يكون سبب هذا الارتباك هو التحدي الكبير الذي يواجهه الشباب في هذا السن، في ظل مجتمع يعلي من قيمة النجاح الأكاديمي. أصبح هذا النجاح معيارًا حاسمًا للأفراد ليشعروا بالقبول في المجتمع. ولهذا السبب، تجد أن الاهتمام يزداد بشكل مفرط عندما يتعلق الأمر بالثانوية العامة، بحيث تصبح لحظة الامتحان بمثابة "اللحظة الحاسمة" التي تحدد كل شيء.
الحلول والبدائل:
لكن لماذا لا نتساءل: هل من الأفضل أن نغير هذا السلوك؟ هل من الممكن أن نخفف من الضغط النفسي الممارس على الطلاب والأهالي؟ ربما ينبغي أن نعيد النظر في كيفية تعاملنا مع هذه الفترة من حياة الشباب، وأن نعلم أولياء الأمور أن المشاعر السلبية الناتجة عن هذا الانتظار تؤثر بشكل سلبي على أبنائهم.
يمكننا التفكير في أساليب بديلة لتوفير الدعم النفسي للطلاب مثل:
1. التوجيه النفسي: من خلال برامج دعم نفسي للطلاب في فترة الامتحانات.
2. التواصل المنتظم: بحيث يتم طمأنة أولياء الأمور عن سير الاختبارات والتأكيد على أن النجاح ليس فقط في الدرجة.
3. التقليل من الضغط الاجتماعي: من خلال تغيير النظرة المجتمعية التي تضع اختبارات الثانوية العامة في قمة هرم الإنجاز.
الخلاصة:
إن مشهد التكدس والانتظار الذي نراه يوميًا في أيام امتحانات الثانوية العامة يعكس قلقًا مجتمعيًا لا مبرر له. وربما حان الوقت لنعيد التفكير في كيفية التعامل مع هذه الفترة، وأن نتجه نحو دعم أبنائنا بطريقة أكثر هدوءًا، بعيدًا عن الضغط النفسي والمجتمعي، مع التأكيد على أن الحياة لا تتوقف على شهادة واحدة، وأن النجاح يمكن أن يتحقق بعدة طرق.
---
التفكير في طرق جديدة لاحتضان طلابنا ودعمهم في تلك الأوقات الحاسمة قد يكون خطوة أولى نحو مجتمع أكثر توازنًا وأقل قلقًا.